ووقفت أمامها أمعن النظر فيها، وكنت كلما أوغلت في إعجابي، وكلما ازداد انجلاء محاسنها لعيني، يستولي علي شعور غريب يبدد ما تثير هذه المحاسن من شهواتي.
ولعلني كنت مأخوذا باستهواء من الإشعاع الخفي، فتحكم في ما في هذه الغانية من سكون وجمود، وانطرحت متمثلا بها على المقعد المستطيل قبالة سريرها، وتغلغل صقيع الموت في روحي.
إن نبضان الدم في العروق ليشبه حركة ساعة غريبة لا تسمعك خفقانها إلا في الليل، ففي طيات الظلام تتوارى مشاغل الإنسان حوله فيعود منكمشا على نفسه ليسمع حركة الحياة فيه.
وامتنعت جفوني عن الغمض بالرغم مما تحملت من متاعب نهاري وأحزانه، وكانت عينا ماركو تحدقان بي، فكان كل منا شاخصا في الآخر وقد خيم علينا السكون.
وقالت: ماذا يشغلك هناك؟ أفما تريد أن تجيء إلى جانبي؟
فقلت: بلى ... إنك رائعة الجمال يا ماركو ...
وسمعت صوتا كأنه نبرة أنين، وكان ذلك صوت انقطاع وتر من قيثارة ماركو، وأدرت وجهي نحو مصدر هذه الأنة، فرأيت أوائل أشعة الفجر تلوح بنورها الباهت ستائر النوافذ.
نهضت فأزحت إحدى الستائر، فانتشر الضياء في جوانب الغرفة، ووقفت لحظة أنظر إلى السماء فإذا هي مجلوة صافية الأديم.
وكررت ماركو دعوتها إلي، فأشرت إليها بأن تنتظر.
وكانت هذه الغادة اختارت لسكناها هذا الحي البعيد عن مركز المدينة احتراسا، وكان لها منزل آخر تستقبل فيه أصدقاء عشيقها، ولعل الغرفة التي كنا فيها ليست سوى موضع خلوة، فقد كانت تشرف على حديقة اللوكسنبور التي رأيتها منبسطة أمامي.
نامعلوم صفحہ