فقال العتابي: قد علمت، ولكنك ذو فضل، وذو الفضل معوان؛ قال: سلكت بي غير طريقي! فقال: إن الله ألحقك بجاه ونعمة، وهما مقيمان عليك بالزيادة إن شكرت، والتغيير إن كفرت، وأنا اليوم خير منك لنفسك، أدعوك إلى ما فيه زيادة نعمتك، وأنت تأبى ذلك، ولكل شيء زكاة، وزكاة الجاه بذله للمستعين! فدخل إلى المأمون فقال: يا أمير المؤمنين أجرني من العتابي ولسانه، فلم يأذن له وشغل عنه، فلما رأى العتابي جفاءه قد تمادى كتب إليه:
ما على ذا كنّا افترقنا بسندا ... ن ولا هكذا رأيت الإخاء
لم أكن أحسب الخلافة يزدا ... د بها ذو الصّفاء إلاّ صفاء
تضرب الناس بالمهنّدة البت ... ر على غدرهم وتنسى الوفاء!
يعرض بقتله لأخيه على غدره ونكثه لما عقد الرشيد، فلما قرأ المأمون كتابه دعا به، فدنا منه وسلم بالخلافة، ثم وقف بين يديه، فقال: يا عتابي بلغتني وفاتك فغمتني، ثم انتهت إلي وفادتك فسرتني، وإني لحري بالغم لبعدك والسرور بقربك، فقال: يا أمير المؤمنين لو قسم هذا البر على أهل منى وعرفات لوسعهم عدلًا، وأعجزهم شكرًا، وإن رضاك لغاية المنى لأنه لا دين إلا بك، ولا دنيا إلا معك! قال: سل حاجتك، قال: يدك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة؛ فأمر له بخمسين ألفًا.
1 / 98