عن القرطبي وغيره: في عدة مواطن ومشاهد عظيمة، وردت من طُرق كثيرة، وقد تكررت منه ﷺ، يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي.
منها: عن جابر ﵁: "أنه ﷺ كان يتوضأ من رَكْوَة (١) فجاؤه يشكون العطش، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه ﷺ كأمثال العيون، فتوضأوا كلهم، وكانوا ألفًا وخمسمائة"، بل قال جابر ﵁: لو كنا مائة ألف لكفانا (٢).
وظاهر هذه الرواية وغيرها: أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع الشريفة، وهو ما صححه النووي وجزم به غيره (٣). وإنما استدعى بقليل ماء كما في رواية تأدُّبًا مع ربه، فإنه المنفرد بإيجاد المعدومات من غير أصل.
نعم في رواية عند جماعة أنه فعل ذلك مرة من غير ماء، لكن استدعى بشن يابسة ووضع يده ﷺ فيها فنبعت عيون الماء.
فهو أفضل أنواع الماء مطلقًا الدنيوية والأخروية.
ويليه في الفضيلة ماء زمزم لما جاء في رواية أن قلبه الشريف ﷺ غسَّله المَلَك ليلة الإِسراء به، فأخذ البُلقيني من إيثار
_________
(١) الرَّكوة: إناء صغير من جلدٍ يُشرب فيه الماء، والجمع رِكاء. "النهاية" ٢/ ٢٦١.
(٢) الحديث عند البخاري ح (٣٥٧٦).
(٣) ينظر: "فتح الباري" ٦/ ٥٨٥، و"شرح صحيح مسلم" للنووي ٩/ ١٣٠.
1 / 32