حروف لاطینیہ
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
اصناف
إن كنت من الذين يقتنعون بالدليل وينصاعون لموجبه؛ فالدليل في متناول يدك، إنك تعرفه من نفسك في قراءتك حين تتعمد النطق العربي الصحيح، وتعرفه في قراءة غيرك من خريج جامعة، أو أستاذ في جامعة، أو عضو في مجمع لغوي، وتعرفه على الأخص فيما تسمع من الخطب الارتجالية أو من الخطب المتلوة أو المذاعة، ما لم يكن صاحبها قد شكلها أو شكلوها له وكررها في خلوته مرارا من قبل؛ حتى لا يلحن فيها لحنا شائنا يزري بمكانته لدى جمهور السامعين.
أما إن كنت من الذين لا ينصاعون للدليل، فأنت متعنت مدع فارغ، ونفسي على الرغم منك كبيرة، وهي أكرم علي من أن أجشمها خطاب المدعين الفارغين.
3
لكن هذه اللغة العربية على ما بها من الصعوبات الجسام، هي في جوهر حقيقتها من أقوم اللغات، بل لا أبعد إذا قلت إنها - من كثير من الوجوه - أقوم اللغات.
ولا تصدق أن المجمع اللغوي أو غير المجمع اللغوي يستطيع أن يمس شيئا ذا قيمة من مفرداتها أو من أصول قواعدها في نحوها وصرفها. ولو فرض - ما لم يقع للآن - أنه عالج شيئا من هذا - كما هو مكلف به في أمر تشكيله - فلن يكون ذلك إلا علاجا في القشر دون اللب ، وتهذيبا في الظاهر دون الباطن، وتشذيبا في الشوى دون مساس بجوهر الهيكل. ومن تراوده نفسه بالنفوذ إلى اللب فليس منا؛ لأنه يفسد ذاتية اللغة، ويحرمنا من تفهم ما تركه الأولون في المناحي الأدبية من التحف والآثار.
4
إنما لهذه اللغة الجميلة آفة خبيثة هي رسم كتابتها. إن هذا الرسم، على ما في مظهره الآن من جمال، لهو علة العلل، وأس الداء، ورأس البلاء. إنه سرطان أزمن فشوه منظر العربية وغشى جمالها، ونفر منها الولي القريب والخاطب الغريب. وإذ أقول «سرطان» فإني أعني ما أقول؛ لأنه كالسرطان حسا ومعنى. اصرف النظر عما هو معروف للجميع، وما أشرت إليه في أصل بياني من مساوئ هذا الرسم، وانظر هل تجد في رسم أية لغة من لغات أمم الحضارة أن هيكلا واحدا يحوي في تجاويفه أربع كلمات أو ثلاثا أو حتى اثنتين، كما يحوي - في الرسم العربي - هيكل «علمتنيه» أربع كلمات، وهيكل «علمته» ثلاثا، وهيكل «علمت» اثنتين؟ ألا ترى أن تلك الهياكل العربية هي أشكال سرطانية، وأن فعلها في من يريد قراءتها غير مشكولة بدقة هو فعل السرطان المخيف؟
5
لقد لاحظ المسلمون في الصدر الأول ما نلاحظه الآن من أن هذا الرسم مصيبة على العربية؛ لأنه مضلل لا يشخصها ولا يقي من تصحيفها وتغيير أصل المراد بعباراتها، فعالجوا الأمر أولا بالنقط، ولما وجدوا النقط وحده لا يغني عمدوا إلى تكملة العلاج «بالشكل»، وجعلوا الشكلات مجرد نقطات بمداد أحمر، كما جعلوا الهمزات نقطات بمداد أصفر، فكان الكاتب مضطرا إلى استعمال ثلاثة ألوان من المداد، أسود وأحمر وأصفر. ثم خرجوا من هذا التكلف المضني إلى اتخاذ الشكلات بحسب ما هي عليه اليوم، مرسومة بالمداد المرسومة به الكلمات. كما جعلوا للهمزة علامتها الخاصة ورسموها بهذا المداد. ولا زال أهل العربية إلى اليوم - بعد ألف وثلاثمائة وثلاث وستين سنة من الهجرة - يختلفون في كتابة الهمزة وفي كتابة الألف المقصورة وغيرها، ولا زال بين رسم القرآن وبين رسم غيره من المكتوبات بون غير قريب، ولا زالت مصيبة الرسم قائمة لم يحلها «الشكل» الذي أفلس بإجماع العارفين، ولا زالت هذه المصيبة مانعة من إمكان قراءة العربية قراءة صحيحة موحدة الأداء لدى جميع القارئين.
6
نامعلوم صفحہ