حروف لاطینیہ
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
اصناف
يزيد في قوة هذه الضرورة، بل يجليها ويبرزها للعيان، أن العربية - على ما أعلم - وعلى ما أشرت إليه في مقالك القيم، هي بين لغات العالم أقوم لغة معربة. وأضيف إلى هذا أنها لغة دقيقة التصريف محكمته. ولازم هاتين الخصوصيتين ما تراه فيها من المرونة. قدم الفعل على الفاعل، أو الفاعل على الفعل، وأخر المفعول عنهما، أو قدمه عليهما. كل هذا تستطيعه في العربية ولا تستطيعه في غيرها؛ لأن المعول في العربية، لا على مكان اللفظ ومرتبته في الجملة، بل على حركات الإعراب، فهي وحدها التي تدلك على وظائف الألفاظ في الجمل. إنك في العربية تقول: «قام زيد - زيد قام - ضربت زيدا - زيدا ضربت.» وقل أن تقول مثله في لغة أخرى. كما أن حركات الحروف هي التي تبين لك صيغة اللفظ ومعناه، بل إن مجرد اختلاف حركة الحرف بعينه تقلب الفعل من متعد محتاج لمفعول إلى لازم مكتف بفاعله. إنك تقول: «ضرب - ضرب - مضرب - مضرب - ضارب - ضارب - ضربة - ضربة - دهش - دهش ... وهكذا.» ولكل من هذه الألفاظ المتماثلة الهياكل معناه الخاص، لا يميزه إلا الحركة. وأنت لو تصفحت أي كتاب من كتب نحو العربية لألفيت معظم ما به كلاما على المرفوعات والمنصوبات، وعلى نواصب المضارع وجوازمه، وعلى الجر وعوامله، وباقي ما به كلاما على المبنيات المحرومة من الحركة أو من تعددها. فالحركات قوام اللغة العربية وعماد أبنيتها، أو هي على التحقيق روح العربية، على حين أن نغمات الحروف ليست إلا جسمها، وكل جسم بلا روح فهو ميت. إن من الأوضاع المنكرة أن يعنى ناس بالجسم الميت الصامت دون الروح النابضة الناطقة، لكنا نحن نفعل هذا في لغتنا، نرسم جسمها الميت ونترك الحركات التي هي روحها مع قدرتنا على رسمها، نرسم جسمها وحده ونتركه جثة هامدة على قوارع الطرق يستنطقه المارة كيما يعرفوا هويته ويردوه إلى أهله، فلا ينطق؛ لأن الميت لا ينطق، فيحارون ويفرضون الفروض ويحزرون الأحازير حول مسقط رأسه. وإذ كان لا بد لهم أن ينتهوا حتى يخلو الطريق، فإنهم يقفون عند احتمال من الاحتمالات. هو نصراني فليسلم لقسس النصارى، أو هو مسلم فليدفن في مقابر المسلمين، أو لا مسلم ولا نصراني ولا يهودي، بل هو من أولاد الجان، وعندئذ يتركونه خائفين من إبليس ومن أولاده الشياطين. هكذا الشأن في لغتنا ورسمها، لا تقرأ كتابا من كتبها الأدبية إلا يصادفك فيه مرات قول مؤلفه أو شارحه: «إن كان هذا اللفظ بالكسرة، كان المعنى كذا، وإن كان بالفتحة كان المعنى كذا.» وإذا وجد المؤلف أن المعنى ركيك على كلا الفرضين، فر من الموضوع قائلا: «والله أعلم.» كما فر أولئك السابلة من جثث الشياطين.
إن حسبت أن هذا التمثيل مبالغ فيه، مع أني أسوقه مدعوما بالدليل الذي لا يستطيع أحد له إنكارا، فإني - ابتغاء مرضاتك - أضع بين يديك تمثيلا آخر. إن الذهب والحديد والنحاس إذا كان لها وزن عند خروجها من مناجمها فليس لها جسم معين، والوزن وحده والجسم المبهم الأقطار لا يأبه لهما الإنسان؛ لأن الحجر والطين، من أي محجر أو مرقد، لهما أيضا وزنهما، ولهما أجسامهما المبهمة الأقطار. لكن تلك المعادن يكون منها، من الذهب الدينار والدملج والسوار والخاتم والخلخال، ومن النحاس أدوات الطهي ودقيق الأنابيب، ومن الحديد آلات الزراعة والمصانع والسيوف وأسنة الرماح. وأنت إذا أردت الحصول على شيء منها فإنك لا تقول للصائغ: أعطني رطل ذهب، ولا للنحاس: أعطني رطل نحاس، ولا للحداد: أعطني رطل حديد؛ لأنه يهزأ بما تقول. لكنك تحدد فتقول: دملجا ذهبا، أو إبريق نحاس، أو سيفا من الحديد الصلب، فأنت مضطر بطبيعة الأشياء إلى تحديد صورة المعدن الذي تريد. ولكنك في رسم العربية لا تحدد شيئا، إنك تعمد إلى منجمها، وهو الأبجدية، فتقتطع منها الوزنة التي تريد، وتتركها على القرطاس جسما هامدا منكر الأبعاد، هيولي بلا صورة. والصورة، كما رأيت في تلك المعادن، هي وحدها المميزة بين الأجسام، بل إن فعلك في العربية أشنع؛ لأن السيف إذا انفل فلن يزال له شبا يقطع الضريبة ويؤدي الغرض. أما رسم اللغة إذا اختل فقد ينقل المرء من العراق إلى اليابان، وهو يريد بلاد الأمريكان، بل قد ينقله من حضرموت إلى جهنم الحمراء من حيث لا يحتسب. أرأيت إذن أنا نسير في رسم لغتنا على نهج يرفضه العقل وترفضه طبيعة الأشياء، وكله مخاطر في مخاطر؟ إذن لا بد لنا من أن نستوفي صورته استيفاء مفصحا مبينا بأية طريقة من الطرق، على شرط ألا نزيد في وطأة عاهته المستديمة التي وضعته أمه مصابا بها، بل نخفف من شدتها إن لم نستطع أن نشفيه منها تمام الشفاء، وإن لم يعجبك قولي فأؤكد لك أنه يعجبني أنا، ولا حجة علي في نفارك، لك دينك ولي دين.
لست أنكر أن المتعلمين - بل أنصاف المتعلمين، بل أرباع المتعلمين - يقرءون الآن الجرائد والروايات، ويفهمون ما فيها. ولكني أنكر أنهم يقرءونها باللسان الذي خلقه الله للنطق والإفصاح. إنهم إنما يقرءون بحاسة البصر دون اللسان، إنهم تعودوا أن الصورة الفلانية تدل على المعنى الفلاني، فهم ينظرون في الصحيفة فيفهمون دلالات الصور التي اعتادوها، لكن إذا اضطروا لسبب من الأسباب إلى أن يعملوا اللسان، نطقوا بهذه الصور كما ينطقون بها في لهجتهم العامية المفسدة لحركات حروف الكلمات والخالية عن حركات الإعراب؛ لأن تلك الصور مجردة عما يرشد إلى شيء من تلك الحركات. وهذا الوضع الناشئ عن قصور رسم الكتابة لا يقدم الفصحى قيد شعرة، بل هو يؤخرها درجات. ومن لوازمه أن تبقى الفصحى أبد الأبيد منكرة المعالم، مختلة الأوضاع في لفظ اللسان. وهو شذوذ لا نظير له عند أكثر من عدانا من خلق الله.
أفهم أن ترتأي جعل رسمنا الحاضر لقراءة العوام، وأن تعدله لقراءة الخواص، فيكون قولك منطقيا يدعمه أن نقل لغة العوام إلى لغة الخواص جد عسير. ولكن الذي لا أفهمه أن ترتأي تعميم الفصحى مع استبقاء الرسم الحالي الذي لا يتفق إلا مع لهجة العوام.
أما ما أشرت إليه من أن الإفرنج اخترعوا الكتابة الاختزالية توفيرا لوقتهم الثمين، وانتزاعك من هذا الإجراء دليلا لاستبقاء رسمنا العربي على ما هو عليه، فإن هذا من جانبك إقحام لموضوع على موضوع.
إن العقل الإنساني اليوم في طور من أطوار التنبه والاستيقاظ، تكثر فيه دور العلم ومخترعات العلم والمحاضرات التي تنشر العلم، كما تكثر فيه الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من مستلزمات الحضارة. وهذا من لوازمه تطلع الناس إلى أخبار كل تلك البيئات، فهم يتلهفون على معرفة ما يقال في المجالس النيابية أو في المحاضرات العلمية وغير العلمية. وبريد الأخبار الصحف، فهي تتبارى في هذا المضمار، كل صحيفة تحاول سبق غيرها في نشر مهم الأخبار، وفي أن يكون النشر كاملا، يحفزها إلى المحاولة أن حظها من ميل القراء ومن مالهم إنما يكون بمقدار سبقها إلى النشر وإلى توخي الكمال فيه. فإذا شهد محررو الصحف جلسة من مجلس العموم البريطاني أو من مجلس النواب الفرنسي مثلا، كان أسرعهم يدا في الكتابة هو الذي تفوز صحيفته بالسبق إلى النشر المستتبع للربح المادي وذيوع الصيت. لكن المحرر مهما يكن سريع حركات الأصابع فإنه لا يستطيع أن يكتب كل ما يقول الخطيب. وإذا كانت المجالس لا تخرج مضابط جلساتها إلا مستوفاة أو قريبة من الاستيفاء، فليس موظف واحد هو الذي يكتب، بل ثلة من الموظفين يتضافرون على كتابة كل خطبة أثناء إلقائها، وما يفوت البعض يكون في الأغلب لم يفت البعض الآخر. ثم هم من بعد يراجعون ويضاهئون فتتكامل لهم الخطب كما قيلت أو تكاد. وهذا هو الجاري عندنا الآن بمصر، لكن الصحف لا تستطيع أن ترسل عدة من المحررين لحضور كل مجلس أو لشهود كل محاضرة هامة في أحد النوادي أو في إحدى الجمعيات. فمست الضرورة إلى إيجاد وسيلة يختصر بها رسم الكتابة، حتى يستطيع المحرر الواحد متابعة الخطيب وضبط عباراته، فبحث الباحثون فاخترعوا الكتابة الاختزالية، فاستعملها محررو الصحف، بل موظفو المجالس النيابية أيضا، هي مجرد إشارات بسيطة تدل على كلمات أو مقاطع كلمات. والظاهر - كما تقول - أنه لا يمكن إتقانها ولا الركون إليها. والواقع المعلوم أيضا أنها لا تعرض على الجماهير، ويستحيل أن يلزم بها الجماهير. إنها شبه مفكرة وقتية، حياتها ساعة من نهار أو من ليل. لا تعيش إلا ريثما ينقلها المحرر لصحيفته أو الموظف إلى مضبطته بالرسم المعتاد ثم تطوى أو تمزق. والرسم المعتاد عندهم هو رسم لغتهم مستوفيا أصوله المقررة لديهم. ولم يحدث إلى الآن أن أمة من تلك الأمم المتحضرة عدلت عن رسمها المعتاد واتخذت رموز الاختزال لرسم كتابتها، بل كل صحفها وكتبها ومخطوطاتها هي برسمها ذلك المعتاد. فأنت يا سيدي إذ ترى لنا الاحتفاظ برسمنا الاختزالي لمجرد أن الإفرنج اخترعوا الاختزال، لا تراعي في رأيك هذا تماثل الأوضاع، إنك تسقط من حسابك أن لهم رسما معتادا مستوفيا مفهما، وأنهم لا زالوا ثابتين عليه. أما نحن فمحرومون من هذا الرسم المفهم. وتحذف من حسابك أن اختزالهم وضع استثنائي لا يتناوله إلا نزر يسير من مخبري الصحف وأمثالهم، وأنه وضع مؤقت قصير العمر يموت بطبعه بمجرد نقله إلى الرسم المفهوم المعتاد، ولا شأن له ألبتة بالجماهير؛ فاستدلالك في مقالك القيم بحكاية الاختزال
Sténographie
هو
لموضوع على موضوع ولا استدلال لك فيه. أفهم أن تقول إن علينا أن نعدل رسمنا الحاضر ليكون مفهما محققا لصحة الأداء كما هو الواجب، ومتى كان لنا بعد هذا التعديل رسم مستوف، اتخذناه في مخطوطاتنا ومطبوعاتنا العادية، ثم عمدنا إلى الرسم الحاضر فاختزلناه أكثر مما هو واتخذناه هو لاختزالنا السريع. أفهم هذا، وقد أوافقك عليه إن استطعت أن تحققه، أما أن تستبقي رسمنا الحاضر المضلل وتحتج بما اخترع الإفرنج من الاختزال، فاسمح لي أن أقول إنه مجرد كلام عائم لا يخرجنا من الضيق الذي نحن فيه. وإذ أقول لك: «قد أوافقك عليه إن استطعت أن تحققه» فإني لست عليك ولا على الحق بمفتات. إن المجمع قد تواردت إليه اقتراحات كثيرة لتيسير الرسم العربي، أمثلها أحد عشر ترى صور نماذجها من بعد ، وكلها رفضتها اللجنة المختصة، وغير باق تحت النظر سوى مشروع حضرة الجارم بك.
أما ما تراه من ضرورة تبسيط قواعد العربية فهذا موضوع قائم برأسه اشتغلت به وزارة المعارف المصرية وعينت له لجنة من كبار أساتذة العربية بمدارسها وبكلية الآداب بجامعة فؤاد. واشتغل به بعض أساتذة هذه الكلية وبعض المعلمين بمدارس الحكومة شغلا انفراديا. ولا زال موضوع عملهم قيد الفحص لدى اللجنة المختصة بالمجمع. ومن المأمول أن يتقرر فيه بعض الشيء ويعرض على المؤتمر في دورته المقبلة ليتصرف بما يراه. ولا أستطيع أن أبدي لك رأيي في الطريقة التي تريدها لتبسيط القواعد، فإن مسألة القواعد ليست كرسم الكتابة خارجة عن جوهر اللغة، بل هي مسألة دقيقة جدا لرجوعها إلى ما يتعلق بلب اللغة وجوهرها. وكل ما أستطيعه هو أن أعدك أني بعد انتهاء أشهر الصيف وعودة مجلس المجمع إلى الانعقاد، سأعمل على عرض فكرتك عليه منقولة بالحرف الواحد عن «المجلة». ومن الجائز كثيرا أن يحيلها المجلس على اللجنة المختصة المذكورة لبحثها مع غيرها مما هو محال عليها في هذا الشأن من الاقتراحات.
نامعلوم صفحہ