باشتياق صاغية
وأناديك ولكن
أنت عني قاصية «سيكي»! لن أعرف معنى الحياة بعد موتك، ولن تبصر عيني نورا بعد فقدك، فتصبح حياتي كوفاتي، وسري كإعلاني، ونهاري كليلي. فما كنت أحيا إلا بوحي حبك، وبحرارة أنفاسك.
إلهي! تبا لهذا الدهر الخائن الغدار الذي انتزع من بين يدي وانتشل من سويداء قلبي، تلك التي فتنتني بجمالها، وبهرتني بحميد خصالها. فكنت أرى في عينيها جمال الطبيعة، فلا أرى في عينها الآن إلا بؤس الشقاء وذبول الموت، وكنت أسمع بأذنيها نغمة الحياة وألحان الطير فما عدت أسمع بهما غير عويل وأنات. ما أحلى ذكرى تلك الأيام؛ أيام حبك يا «سيكي»! وما أمر ذكرى ما هو آت! وما أكثر ما ينتظرني من آلام وأسقام!
حقا ما عرفت الحزن إلا بعد موتك، وما أدركني اليأس إلا بعد فقدك.
رباه! ما أقسى الحياة بدونها، وما أشقى نفسي بعدها! وما أتعس الوجود بعد فقدها! ولئن سقيت رمسك بغيث دمعي، وأرويت مثواك بسفك دمي، ما سكن قلبي ولا ارتاحت نفسي إلا بعد أن يضمني تابوتك، وتشملني ظلمة قبرك. ومن لا تلدغه أفاعي الأيام، يظل مغرورا بالأيام والليالي.
وهنا سكت «كيوبيد» عن الكلام وقد استبد به الحزن واغرورقت عيناه بالدموع، ثم ما لبث أن انقض على خديها يمطرهما وابلا من القبلات الحارة، فبلل خديها بدموع عينيه، ثم اختلط عليه الأمر، فأخذ يهذي هذيان المحموم، ويدور حول جثتها كالمجنون، ينظر إليها تارة، ويجيل الطرف فيما حولها تارة أخرى. وفجأة تسمر بصره على ذلك الصندوق اللعين، صندوق النوم، صندوق أمه، فأدرك على الفور جلية الأمر، وعرف أن «سيكي» تغط في نوم عميق أشبه بسبات الموت، فانكب على النوم يجمعه من حولها وأحكم عليه الصندوق. وعندئذ دبت الحياة في «سيكي»، واستيقظت من رقدتها وفوجئت بطلعة «كيوبيد» النيرة تملأ نور عينيها، فصاحت من فرط فرحتها، وارتمت في أحضانه تواقة مشتاقة، وسرعان ما تجاذبا أطراف الحديث، والحديث ذو شجون:
كيوبيد :
غني يا حبيبتي وأنشدي، أسمعيني صوتك العذب الحنون، وأطربيني بصوتك الذي ينساب خلال نفسي في رقة وليونة تفوقان رقة مياه الغدير من فوق ربوة عالية.
رنمي يا حبيبتي وغني؛ فإن لصوتك في نفسي وقعا يفوق وقع القوس على الكمان. رنمي لنفسي الشقية، ولقلبي الحزين المتيم في هواك؛ فقد ألفت البؤس والشقاء، وتحالفت مع الكمد والكآبة، وكل ذلك من أجلك يا «سيكي».
نامعلوم صفحہ