وأيضًا فإن واجبات الشريعة التي هي حق لله ثلاثة أقسام: عبادات كالصلاة والزكاة والصيام، وعقوبات إما مقدرة وإما مفوضة، وكفارات وكل واحد من أقسام الواجبات ينقسم إلى: بدني، وإلى مالي، وإلى مركب منهما. فالعبادات البدنية: كالصلاة والصيام، والمالية: كالزكاة، والمركبة: كالحج، والكفارات المالية: كالإطعام، والبدنية: كالصيام، والمركبة: كالهدي بذبح. العقوبات البدنية: كالقتل والقطع، والمالية: كإتلاف أوعية الخمر. والمركبة: كجلد السارق من غير حرز وتضعيف الغرم عليه، وكقتل الكفار وأخذ أموالهم. وكما أن العقوبات البدنية تارة تكون جزاء على ما مضى كقطع السارق، وتارة تكون دفعًا عن المستقبل كقتل القاتل: فكذلك المالية، فإن منها ما هو من باب إزالة المنكر، وهي تنقسم كالبدنية إلى إتلاف، وإلى تغيير، وإلى تمليك الغير.
فالأول: المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعًا لها، مثل الأصنام المعبودة من دون الله، لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرًا أو خشبًا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها. وكذلك آلات الملاهي مثل الطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك، وأشهر الروايتين عن أحمد، ومثل ذلك أوعية الخمر، يجوز تكسيرها وتخريقها، والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه، وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم، واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي، وقال: إنما أنت فويسق لا رويشد، وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمر بتحريق قرية كان يباع فيها الخمر، رواه أبو عبيدة وغيره؛ وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية، وهذا أيضًا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما.
ومما يشبه ذلك ما فعله عمر بن الخطاب، حيث رأى رجلًا قد شاب اللبن
1 / 51