بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
قال شيخ الإسلام أبو العباس، أحمد ابن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم، ابن الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية رحمة الله عليه١:
الحمد لله نستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، حيث بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وَعَبَدَ الله حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله
_________
١ هو شيخ الإسلام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس تقي الدين بن تيمية: الإمام، ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتي بها فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ومن ثم أطلق فعاد إلى دمشق سنة ٧١٢هـ، واعتقل بها سنة ٧٢٠هـ، وأطلق، ثم اعتقل ثانية ومات مسجونًا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته، وكان داعية إصلاح في الدين، آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان، عاش من ٦٦١ إلى ٧٢٨هـ- وكان جده أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية فقيهًا حنبليًّا، محدثًا، مفسرًا، ولد بحران وتوفي بها.
1 / 5
عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته.
أما بعد:
فهذه: "قاعدة في الحسبة". أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله ﷾ إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] .
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] .
وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] .
وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كلا منهم يقول لقومه:
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] .
وعبادته تكون بطاعته وطاعة رسوله، وذلك هو الخير والبر والتقوى والحسنات، والقربات والباقيات الصالحات والعمل الصالح، وإن كانت هذه الأسماء بينها فروق لطيفة ليس هذا موضعها.
وهذا الذي يقاتل عليه الخلق، كما قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣]
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ١.
_________
١ من حديث أبي موسى الأشعري. رواه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه "١٣/ ٥٣"، وبنحوه "١٣/ ١٥٤"، وبنفس اللفظ رواه الترمذي في سننه "٧/ ١٥٠"، والإمام أحمد في مسنده "٤/ ٣٩٧"، وروى نحوه البخاري في صحيحه "١/ ٢٢٢" و"١٣/ ٤٤١"، وابن ماجه في سننه "٢/ ٩٣١"، وهو عندنا حديث صحيح.
1 / 6
وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع، فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمرٍ وناهٍ. فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم، مصيبين تارة ومخطئين أخرى.
وأهل الأديان الفاسدة من المشركين وأهل الكتاب المستمسكين به بعد التبديل أو بعد النسخ والتبديل١، مطيعون فيما يرون أنه يعود عليهم بمصالح دينهم ودنياهم. وغير أهل الكتاب منهم من يؤمن بالجزاء بعد الموت، ومنهم من لا يؤمن به، وأما أهل الكتاب فمتفقون على الجزاء بعد الموت، ولكن الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".
وإذا كان لا بد من طاعة آمرٍ وناهٍ فمعلوم أن دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له، وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وذلك هو الواجب عل جميع الخلق، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٤] . وقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] . وقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
_________
١ النسخ: أي القرآن، والتبديل: أي بما كسبت أيديهم.
1 / 7
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٣] .
وكان النبي ﷺ يقول في خطبته للجمعة: "إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها" ١. وكان يقول في خطبة الحاجة: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا" ٢.
وقد بعث الله رسوله محمدًا ﷺ بأفضل المناهج والشرائع، وأنزل عليه أفضل الكتب، فأرسله إلى خير أمة أخرجت للناس، وأكمل له ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة، وحرم الجنة إلا على من آمن به وبما جاء به، ولم يقبل من أحد إلا الإسلام الذي جاء به، فمن ابتغى غيره دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. وأخبر في كتابه أنه أنزل الكتاب والحديد ليقوم الناس بالقسط؛ فقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
_________
١ أقرب الروايات إلى هذا اللفظ ما عند النسائي في سننه "٣/ ٥٨" وفيها: "أحسن الكلام ... وأحسن الهدي"، وعند ابن ماجه في سننه "١/ ١٧" بلفظ: "فإن خير الأمور كتاب الله" كلاهما عن جابر بن عبد الله ﵁، وعنه رواه مسلم في صحيحه "٦/ ٤٠٣، ٤٠٤" بلفظ: "خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي" ... إلخ الحديث"، ومثله وعنه أيضًا رواه الإمام أحمد في مسنده "٣/ ٣٧١" ورواه البخاري في صحيحه "١٠/ ٥٠٩، ١٣/ ٢٤٩"، ومثله لكن عن جابر بن عبد الله في مسند الإمام أحمد "٣/ ٣١٩"، وفي المسند أيضًا "٣/ ٣١٠" ولكن بلفظ آخر فيه: " أصدق الحديث ... وأفضل الهدي".
٢ بهذا اللفظ رواه أبو داود "٦/ ١٥٦" وغيره عن "عبد الله بن مسعود" وقد ضعفه الألباني وقال: "هذا سند ضعيف وعلته أبو عياض هذا وهو المدني"، قال الحافظ في "التقريب": "وهو مجهول" وصححه الإمام النووي، وقال الشيخ "الألباني": وكان أبعدهم عن الصواب الإمام النووي ﵀ حيث قال في "شرح صحيح مسلم" "٦/ ١٦٠": "إسناده صحيح"- وقاله: ثم إن في متن الحديث نكارة وهي قوله: "ومن يعصهما" فقد صح عنه ﷺ: "النهي عن هذه اللفظة كما في حديث عدي بن حاتم: -ذكر الحديث وفيه- فقال رسول الله ﷺ: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله". "انظر خطبة للشيخ الألباني فيه تفصيل".
1 / 8
وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] .
ولهذا أمر النبي ﷺ أمته بتولية ولاة أمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى، ففي سنن أبي داود عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمر أحدهم"، وفي سننه أيضًا عن أبي هريرة مثله١.
وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال: " لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم" ٢.
فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولى أحدهم: كان هذا تنبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك، ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينًا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان، من أفضل الأعمال الصالحة، حتى قد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي ﷺ أنه قال: " إن أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر" ٣.
_________
١ سنده عن "أبي سعيد الخدري" عند أبي داود في سننه "٧/ ٢٦٧"، ورواه عن "أبي هريرة" بسند "ضعيف"؛ لأن فيه "محمد بن عجلان" عن "أبي هريرة" وقد اختلطت أحاديث "أبي هريرة" عليه [والحديث عندنا حسن] .
٢ روى نحوه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ١٧٧" بسند حسن.
٣ رواه الإمام أحمد في مسنده "٣/ ٢٢"، والترمذي في سننه "٦/ ٧٠"بسند فيه "عطية العوفي" وهو علته. ولهذا فالحديث ضعيف.
1 / 9
فصل: [الولايات الإسلامية]، [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي والمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: ٧١] .
وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] .
وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة.
لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن، والمطلوب منه الصدق، مثل الشهود عند الحاكم، ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال.
ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع والمطلوب منه العدل، مثل الأمير والحاكم
1 / 11
والمحتسب، وبالصدق في كل الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال، وتصلح جميع الأحوال، وهما قرينان كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥] .
وقال النبي ﷺ لما ذكر الظلمة: "من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض" ١.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ٢.
ولهذا قال ﷾: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١] .
وقال تعالى: ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٥] .
فلهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور، وقد قال النبي ﷺ أو "عمر بن الخطاب": "من قلد رجلًا على عصابة هو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله، وخان المؤمنين" ٣.
_________
١ أخرجه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ٩٥"، والنسائي في سننه "٧/ ١٦٠" عن "كعب بن عجرة" وهو حديث حسن.
٢ روى مثله مسلم في صحيحه "١٦/ ٣٩٨" عن عبد الله بن مسعود بلفظ "وما يزال" لا "ولا يزال"، وكذلك عنه الترمذي في سننه "٨/ ١٤٧" والإمام أحمد في مسنده "١/ ٣٨٤" وروى نحوه البخاري في صحيحه "١٠/ ٥٠٧" عنه أيضًا، وكذلك مسلم في صحيحه "١٦/ ٣٩٦، ٣٩٧" وأبو داود في سننه "١٣/ ٣٣٣" بدءًا بالنهي عن الكذب، "إياكم والكذب"، وهو حديث صحيح.
٣ رواه الحاكم في مستدركه "٤/ ٩٢" عن "ابن عباس" عن رسول الله ﷺ، وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الإمام الذهبي على ذلك.
1 / 12
فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود، والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: "أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة". وقد كان النبي ﷺ وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر؛ لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك: "سورة الروم" لما اقتتلت الروم وفارس، والقصة مشهورة وكذلك يوسف كان نائبًا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان.
1 / 13
فصل: [مسئولية المحتسب]
عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع١، فقد يدخل في ولاية القضاة في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب في مكان وزمان آخر، وبالعكس، وكذلك الحسبة وولاية المال.
وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأي من عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصالحين، وأي من ظلم وعمل فيها بجهل فهو من الفجار الظالمين، إنما الضابط قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣، ١٤] .
وإذا كان كذلك، فولاية الحرب في عرف هذا الزمان في هذه البلاد الشامية والمصرية تختص بإقامة الحدود التي فيها إتلاف، مثل قطع يد السارق وعقوبة المحارب ونحو ذلك، وقد يدخل فيها من العقوبات ما ليس فيه إتلاف، كجلد السارق، ويدخل فيها الحكم في المخاصمات والمضاربات، ودواعي التهم التي ليس فيها كتاب وشهود، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود، وكما تختص بإثبات
_________
١ أي غير مذكور في نص توقيفي، قرآن أو سنة.
1 / 15
الحقوق والحكم في مثل ذلك، والنظر في حال نظّار الوقوف وأوصياء اليتامى، وغير ذلك مما هو معروف.
وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب: ليس لوالي الحرب حكم في شيء، وإنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وهذا اتبع للسنة القديمة ولهذا أسباب من المذاهب والعادات مذكورة في غير هذا الموضع.
وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره، ويتعهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والحكم، وكل مطاع يعين على ذلك. وذلك أن "الصلاة" هي أعرف المعروف من الأعمال، وهي عمود الإسلام وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وإنما فرضها الله ليلة المعراج وخاطب بها الرسول بلا واسطة، لم يبعث بها رسولًا من الملائكة، وهي آخر ما وصّى به النبي ﷺ أمته، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصًا بعد تعميم، كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأعراف: ١٧٠] وقوله: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [العنكبوت: ٤٥] .
وهي المقرونة بالصبر، وبالزكاة، وبالنسك وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] .
وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] .
وقوله: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾ [الأنعام: ٦٢] .
وقوله: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [الفتح: ٢٩] .
وقوله: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
1 / 16
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء: ١٠٢] .
إلى قوله: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] .
وأمرها أعظم من أن يحاط به، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال، لهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة. رواه مالك وغيره١.
ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات، وبصدق الحديث وأداء الأمانات.
وينهى عن المنكرات: من الكذب والخيانة، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات، والبياعات، والديانات، ونحو ذلك قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: ١،٣] .
وقال في قصة شعيب: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ، وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الشعراء: ١٨١] .
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: ١٠٧] .
وقال: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٢] .
وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله ﷺ: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" ٢.
_________
١ انظر المسوى شرح الموطأ للدهلوي رقم "١١٢" بسند منقطع بين نافع وعمر ﵁.
٢ من حديث حكيم بن حزام رواه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه "٤/ ٣٢٨" والنسائي في المجتبى "٧/ ٢٤٤"، وبنحو هذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده "٣/ ٤٠٢، ٤٠٣، ٤٣٤"، وأبو داود في سننه "٩/ ٣٣٠"، وكذلك روى نحوه مسلم في صحيحه "١٠/ ٤٢٩" عن "عبد الله بن عمر"، والترمذي في سننه "٥/ ٢٥٤" والحديث صحيح.
1 / 17
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس! من غشنا فليس مني" ١.
وفي رواية: "من غشني فليس مني". فقد أخبر النبي ﷺ أن الغاش ليس بداخل في مطلق اسم أهل الدين والإيمان، كما قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" ٢.
فسلبه حقيقة الإيمان التي بها يستحق حصول الثواب والنجاة من العقاب، وإن كان معه أصل الإيمان الذي يفارق به الكفار ويخرج به من النار.
والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه، كالذي مر عليه النبي ﷺ وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان.
ومن هؤلاء "الكيماوية" الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك، فيصنعون ذهبًا أو فضة أو عنبرًا أو مسكًا أو جواهر أو زعفرانًا أو ماء ورد أو غير ذلك، يضاهون به خلق الله، ولم يخلق الله شيئًا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، بل قال الله ﷿ فيما حكى عنه رسوله: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟
_________
١ "من غشنا فليس منا" رواه البزار في كشف الأستار ٢/ ٨٣، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات، وفي الباب كذلك عن حذيفة وابن عباس وأنس بن مالك ﵃ "٤/ ٧٨"، ووجدناه بلفظ "من غش فليس مني" عند مسلم في صحيحه "٢/ ٤٦٨" عن أبي هريرة، وبلفظ "ليس منا من غش" رواه أبو داود في سننه "٩/ ٣٢١" عنه أيضًا، وابن ماجه في سننه "٢/ ٧٤٩"، والإمام أحمد في مسنده "٢/ ٢٤٢"، "٣/ ٤٦٦"، "٤/ ٤٥"، وبلفظ "من غش فليس منا" عند الترمذي في سننه "٦/ ٥٥"، وقال: حديث حسن صحيح.
٢ رواه مسلم في صحيحه "٢/ ٤٠١" عن أبي هريرة، والنسائي في سننه "٨/ ٣١٣". والدارمي في سننه "٢/ ٤١"، ويذكر الخمر بعد الزنى رواه البخاري في صحيحه "٥/ ١١٩" عن أبي هريرة، وابن ماجه في سننه "٢/ ١٢٩٩". والحديث صحيح.
1 / 18
فليخلقوا ذرة! فليخلقوا بعوضة" ١.
ولهذا كانت المصنوعات -مثل الأطبخة والملابس والمساكن- غير مخلوقة إلا بتوسط الناس، قال تعالى:
﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤١]
وقال تعالى: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥، ٩٦] .
وكانت المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدورة لبني آدم أن يصنعوها، لكنهم يشبهون على سبيل الغش، وهذا حقيقة الكيمياء، فإنه المشبه، وهذا باب واسع قد صنف فيه أهل الخبرة ما لا يحتمل ذكره في هذا الموضع.
ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة، مثل عقود الربا والميسر، ومثل بيع الغرر٢، وكحبل الحبلة٣، والملامسة والمنابذة٤، وربا النسيئة وربا الفضل٥، وكذلك النجش٦، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة٧ اللبون وسائر أنواع التدليس.
وكذلك المعاملات الربوية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية إذا كان المقصود بها
_________
١ روى نحوه البخاري في صحيحه "١٠/ ٣٨٥، ١٣/ ٥٢٨" ومسلم في صحيحه "١٤/ ٣٣٩".
٢ بيع الغرر: كل بيع يحتمل فيه غبن المبتاع بيع السمك في الماء، وبيع المجهول وبيع الغائب.
٣ حبل الحبلة: هو أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها، وقال آخرون: أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة.
٤ الملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار ولا يقبله. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض.
٥ ربا النسيئة وربا الفضل: الربا هو كل زيادة لم يقابلها عوض المال سواء كان هذا بالزيادة الواقعة أو المؤجلة أي النسيئة.
٦ النجش: وهو أن يمدح السلعة ويزيد في ثمنها خلال المزايدات مع العلم أنه لا يريد شراءها ليقع غيره فيها.
٧ التصرية: وهي عدم حلب اللبن من الدابة أيامًا حتى يجتمع اللبن في ضرعها بقصد الغش، فإذا حلبها المشتري استغررها.
1 / 19
جميعها أخذ دراهم بدرهم أكثر منها إلى أجل. فالثنائية ما يكون بين اثنين: مثل أن يجمع إلى القرض بيعًا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك". قال الترمذي: حديث صحيح١.
ومثل أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يعيدها إليه، ففي سنن أبي داود عن النبي ﷺ قال: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا" ٢.
والثلاثية: مثل أن يدخلا بينهما محللًا للربا يشتري السلعة منه آكل الربا ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل.
وهذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدين على المعسر، فإن المعسر يجب إنظاره ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين، ومنها ما قد تنازع فيه بعض العلماء، لكن الثابت عن النبي ﷺ والصحابة والتابعين تحريم ذلك كله.
ومن المنكرات تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، فإن النبي ﷺ نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع٣، فإنه لا يعرف السعر فيشتري منه المشتري بدون القيمة، ولذلك أثبت النبي ﷺ له الخيار إذا هبط إلى السوق، وثبوت الخيار له مع الغبن لا ريب فيه، وأما ثبوته بلا غبن ففيه نزاع بين العلماء، وفيه عن أحمد روايتان،
_________
١ رواه الترمذي في سننه "٥/ ٢٤٣" عن "عبد الله بن عمرو"، ورواه النسائي في سننه "٧/ ٢٨٨"، "٥/ ٣٩٥"، وباللفظ رواه أبو داود في سننه "٩/ ٤٠٣".
٢ رواه بهذا اللفظ أبو داود في سننه "٩/ ٣٣٢" عن أبي هريرة، ورواه الترمذي في سننه "٥/ ٢٣٨" وفيه: "نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعة". وقال حديث حسن صحيح، وكذلك رواه النسائي في سننه "٧/ ٢٩٥".
٣ النهي عن تلقي الركبان رواه البخاري "٤/ ٤٥١" عن ابن عباس، وروى مسلم النهي عن تلقي السلع في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده "١/ ٢٦٨" و"٢/ ٤٢".
1 / 20
إحداهما: يثبت، وهو قول الشافعي، والثانية: لا يثبت لعدم الغبن. وثبوت الخيار بالغبن للمسترسل -وهو الذي لا يماكس- هو مذهب مالك وأحمد وغيرهما١، فليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس٢ بسعر ويبيعوا المسترسل٣ الذي لا يماكس أو من هو جاهل بالسعر بأكثر من ذلك السعر هذا مما ينكر على الباعة.
وجاء في الحديث: "غبن المسترسل ربا"٤، وهو بمنزلة تلقي السلع، فإن القادم جاهل بالسعر، ولذلك "نهى النبي ﷺ أن يبيع حاضر لباد، وقال: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ٥. وقيل لابن عباس ما قوله: "لا يبيع حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سمسار، وهذا نهي عنه لما فيه من ضرر المشترين، فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها والقادم لا يعرف السعر ضر ذلك المشتري، فقال النبي ﷺ: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
ومثل ذلك "الاحتكار" لما يحتاج الناس إليه، روى مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: "لا يحتكر إلا خاطئ" ٦. فإن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام لغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة
_________
١ انظر المغني لابن قدامة "٤/ ٢٨٢" وفيه: "وظاهر المذهب أنه لا خيار له إلا مع الغبن لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر، ولا ضرر مع عدم الغبن، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل إطلاق الحديث في إثبات الخيار على هذا.
٢ المماكس: هو الخبير بالأسعار الذي يساوم الباعة في السلع عند الشراء.
٣ المسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة، وقال بلزوم البيع للمسترسل أبو حنيفة والشافعي، وبالخيار مالك وأحمد بن حنبل. "المغني ٤/ ٧٩".
٤ هذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم ٦٦٨.
٥ مسلم ١٠/ ٤٢٠ والبخاري ٤/ ٣٧٢ وأبو داود ٩/ ٣٥٥ و٣٠٦.
٦ مسلم في صحيحه "١١/ ٤٧"، وأبو داود في سننه "٩/ ٣١٣"، وابن ماجه في سننه "٢/ ٧٢٨"، والإمام أحمد في مسنده "٣/ ٤٥٤، ٦/ ٤٠٠".
1 / 21
مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره١. ومن هنا يتبين أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم: فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل: فهو جائز، بل واجب.
فأما الأول فمثل ما روى أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله! لو سعرت؟ فقال: "إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وأني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال". رواه أبو داود والترمذي وصححه٢.
فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق، فهذا إلى الله. فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.
وأما الثاني فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به. وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون، لاتباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلوا باع غيرهم ذلك منع، إما ظلمًا لوظيفة تؤخذ من البائع، أو غير ظلم، لما في ذلك من الفساد، فهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء؛ لأنه إذا كان قد منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا أو اشتروا بما اختاروا كان
_________
١ قال الإمام النووي: أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام اضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعًا للضرر عن الناس "المجموع ١٣/ ٤٨".
٢ رواه الترمذي في سننه "٦/ ٥٣"، وأبو داود في سننه "٩/ ٣٢٠"، والدارمي في سننه "٢/ ١٦٥"، وابن ماجه في سننه "٢/ ٧٤١"، والإمام أحمد في مسنده "٣/ ١٥٦".
1 / 22
ذلك ظلمًا للخلق من وجهين: ظلمًا للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال، وظلمًا للمشترين منهم، والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته: إلزامهم ألا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل.
وهذا واجب في مواضع كثيرة من الشريعة، فإنه كما أن الإكراه على البيع لا يجوز إلا بحق: يجوز الإكراه على البيع بحق في مواضع مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة، والإكراه على ألا يبيع إلا بثمن المثل لا يجوز إلا بحق، ويجوز في مواضع، مثل المضطر إلى طعام الغير، ومثل الغراس والبناء الذي في ملك الغير، فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل لا بأكثر. ونظائره كثيرة. وكذلك السراية في العتق كما قال النبي ﷺ: "من أعتق شركًا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل، لا وكس ولا شطط" ١.
فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق، وكذلك من وجب عليه شراء شيء للعبادات كآلة الحج ورقبة العتق وماء الطهارة، فعليه أن يشتريه بقيمة المثل، ليس له أن يمتنع عن الشراء إلا بما يختار. وكذلك فيما يجب عليه من طعام أو كسوة لمن عليه نفقته إذا وجد الطعام أو اللباس الذي يصلح له في العرف بثمن المثل: لم يكن له أن ينتقل إلى ما هو دونه، حتى يبذل له ذلك بثمن يختاره، ونظائره كثيرة.
ولهذا منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القسام الذين يقسمون العقار وغيره بالأجر أن يشتركوا والناس محتاجون
_________
١ رواه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه "١١/ ١٤٩" عن ابن عمر، وعنه بغير هذا اللفظ "١٠/ ٣٨٩"، وبغير هذا اللفظ رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر "٥/ ١٣٢ و١٥/ ١٥١"، وعن أبي هريرة "٥/ ١٣٧" ورواه أبو داود في سننه "١٠/ ٤٤٩" عن أبي قتادة، ورواه ابن ماجه في سننه عن ابن عمر "٢/ ٨٤٤"، ورواه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ١٥" عن ابن عمر، وعنه عند الترمذي في سننه "٦/ ٩٢" وقال: حديث حسن صحيح، عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح.
1 / 23
إليهم أغلوا عليهم الأجر، فمنع البائعين الذين تواطئوا على ألا يبيعوا إلا بثمن قدروه أولى، وكذلك منع المشترين إذا تواطئوا على أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا فيما يشتريه أحدهم حتى يهضموا سلع الناس أولى أيضًا، فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعًا من السلع أو تبيعها قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف، وينموا ما يشترونه، كان هذا أعظم عدوانًا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا إلى بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى ذلك وشرائه.
وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة. ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس، مثل حاجة الناس إلى الفلاحة والنساجة والبناية، فإن الناس لا بد لهم من طعام يأكلونه وثياب يلبسونها ومساكن يسكنونها، فإذا لم يجلب لهم من الثياب ما يكفيهم كما كان يجلب إلى الحجاز على عهد رسول الله ﷺ كانت الثياب تجلب إليهم من اليمن ومصر والشام وأهلها كفار وكانوا يلبسون ما نسجه الكفار ولا يغسلونه، فإذا لم يجلب إلى ناس البلد ما يكفيهم احتاجوا إلى من ينسج لهم الثياب، ولا بد لهم من طعام إما مجلوب من غير بلدهم وإما من زرع بلدهم، وهذا هو الغالب. وكذلك لا بد لهم من مساكن يسكنونها، فيحتاجون إلى البناء، فلهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: كأبي حامد الغزالي، وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم:
إن هذه الصناعات فرض على الكفاية١، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها، كما أن الجهاد فرض على الكفاية، إلا أن يتعين فيكون فرضًا على الأعيان، مثل أن يقصد العدو بلدًا، أو مثل أن يستنفر الإمام أحدًا، وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به وما نهاه
_________
١ نقل الإمام الزركشي في كتابه "المنثور في القواعد" أن أبا حامد الغزالي ليس من مذهبه أن المهمات الدنيوية من فروض الكفاية.
1 / 24
عنه، فإن فرض على الأعيان كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال:
"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" ١.
وكل من أراد الله به خيرًا، لا بد أن يفقهه في الدين، فمن لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيرًا. والدين: ما بعث الله به رسوله، وهو ما يجب على المرء التصديق به والعمل به، وعلى كل أحد أن يصدق محمدًا ﷺ فيما أخبر به، ويطيعه فيما أمر تصديقًا عامًا وطاعة عامة، ثم إذا ثبت عنه خبر كان عليه أن يصدق به مفصلًا، وإذا كان مأمورًا من جهة بأمر معين كان عليه أن يطيعه طاعة مفصلة.
وكذلك غسل الموتى، وتكفينهم والصلاة عليهم، ودفنهم: فرض على الكفاية. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية.
والولايات كلها: الدينية مثل إمرة المؤمنين، وما دونها: من ملك، ووزارة، وديوانية، سواء كانت كتابة خطاب، أو كتابة حساب لمستخرج أو مصروف في أرزاق المقاتلة أو غيرهم، ومثل إمارة حرب، وقضاء وحسبة، وفروع هذه الولايات إنما شرعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان رسول الله ﷺ في مدينته النبوية يتولى جميع ما يتعلق بولاة الأمور، ويولي في الأماكن البعيدة عنه، كما ولى على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى قرى عرينة خالد بن سعيد بن العاص، وبعث عليًّا ومعاذًا وأبا موسى إلى اليمن، وكذلك كان يؤمر على السرايا ويبعث على الأموال الزكوية السعاة، فيأخذونها ممن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها الذين سماهم الله في القرآن، فيرجع الساعي إلى المدينة وليس معه إلا السوط، لا يأتي إلى النبي ﷺ بشيء إذا وجد لها موضعًا يضعها فيه.
وكان النبي ﷺ يستوفي الحساب على العمال، يحاسبهم على المستخرج والمصروف، كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي أن النبي ﷺ
_________
١ رواه البخاري في صحيحه "١/ ١٦٤"، ومسلم في صحيحه "١٣/ ٧٢"، والدارمي في سننه "١/ ٦٥" وابن ماجه في سننه "١/ ٨٠"، والإمام أحمد في مسنده "١/ ٣٠٦"، والترمذي في سننه "١٠/ ١١٤" وقال: حسن صحيح.
1 / 25
استعمل رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقات، فلما رجع حسابه فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ! فقال النبي ﷺ: "ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ؟ أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا نستعمل رجلًا على العمل مما ولانا الله فيغل منه شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته: إن كان بعيرًا له رغاء، وإن كانت بقرة لها خوار، وإن كانت شاة تعير ١، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بغلت؟ " قالها مرتين أو ثلاثًا٢.
والمقصود هنا: أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إن كان غيره عاجزًا عنها، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبًا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم مَنْ صناعته الفلاحة بأن يصنعها لهم، فإن الجند يلزمون بألا يظلموا الفلاح كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند. والمزارعة جائزة في أصح قولي العلماء، وهي عمل المسلمين على عهد نبيهم وعهد خلفائه الراشدين، وعليها عمل آل أبي بكر وآل عمر وآل عثمان وآل علي وغيرهم من بيوت المهاجرين، وهي قول أكابر الصحابة كابن مسعود، وهي مذهب فقهاء الحديث، كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، والبخاري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي بكر بن المنذر وغيرهم من فقهاء المسلمين٣.
وكان النبي ﷺ قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع حتى مات، ولم تزل تلك المعاملة حتى
أجلاهم عمر عن خيبر، وكان قد شارطهم أن
_________
١ اليعار: الشديد من أصوات الشاء يَعَرَتْ تَيْعَرُ وتَيْعِرُ "لسان العرب: مادة يعر".
٢ رواه البخاري في صحيحه "١٢/ ٣٤٨" ومسلم في صحيحه "١٢/ ٤٦٠".
٣ انظر مذهب الفقهاء في ذلك في المغني لابن قدامة "٥/ ٥٨١".
1 / 26