كما يجب على كل من اشترى شيئًا يقصد أن يبيعه بربح، سواء عمل فيه عملًا أو لم يعمل، وسواء اشترى طعامًا أو ثيابًا أو حيوانًا، وسواء كان مسافرًا ينقل ذلك من بلد إلى بلد، أو كان متربصًا به يحبسه إلى وقت النفاق، أو كان مديرًا يبيع دائمًا ويشتري كأهل الحوانيت، فهؤلاء كلهم تجب عليهم زكاة التجار، وإذا وجب عليهم أن يصنعوا الدقيق والخبز لحاجة الناس إلى ذلك ألزموا كما تقدم، أو دخلوا طوعًا فيما يحتاج إليه الناس من غير إلزام لواحد منهم بعينه، فعلى التقديرين يسعر عليهم الدقيق والحنطة، فلا يبيعوا الحنطة والدقيق إلا بثمن المثل بحيث يربحون الربح بالمعروف من غير إضرار بهم ولا بالناس.
وقد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين١:
إحداهما: إذا كان للناس سعر غال فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك فإنه يمنع منه في السوق في مذهب مالك، وهل يمنع النقصان؟ على قولين لهم. وأما الشافعي وأصحاب أحمد: كأبي حفص العكبري، والقاضي أبي يعلى، والشريف أبي جعفر، وأبي الخطاب، وابن عقيل وغيرهم: فمنعوا من ذلك. واحتج مالك بما رواه في موطأه عن يونس بن سيف، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا.
وأجاب الشافعي وموافقوه بما رواه فقال: حدثنا الدراوردي، عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر: أنه مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما؟ فسعر له مدين لكل درهم، فقال له عمر: قد حدِّثت بعير مقبلة من الطائف بحمل زبيبًا وهم يعتبرون سعرك، فأما أن ترفع السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه، ثم أتى حاطبًا في داره فقال: إن الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع، قال الشافعي وهذا الحديث مقتضاه ليس بخلاف ما رواه مالك، ولكنه
_________
١ انظر تفصيل ذلك في المجموع للإمام النووي "١٣/ ٣٢".
1 / 32