والمرابعة نوع من المزارعة، ولا تخرج عن ذلك إلا إذا استكرى بإجارة مقدرة من يعمل له فيها، وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس، لا إنه قد يخسر ماله ولا يحصل له شيء بخلاف المشاركة فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، فهو أقرب إلى العدل، فلهذا تختاره الفطر السليمة، وهذه المسائل لبسطها موضع آخر.
والمقصود هنا: أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما تحتاج إليه الناس من صناعاتهم كالفلاحة والحياكة والبناية فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك، ولا يمكن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب، وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك فيستعمل بأجرة المثل، لا يمكن المستعملون من ظلمهم ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم مع الحاجة إليهم. فهذا تسعير في الأعمال.
وأما في الأموال فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد فعلى أهل السلاح أن يبيعوه بعض المثل، ولا يمكنون من أن يحبسوا السلاح حتى يتسلط العدو أو يبذل لهم من الأموال ما يختارون، والإمام لو عين أهل الجهاد للجهاد تعين عليهم، كما قال النبي ﷺ: "وإذا استنفرتم فانفروا". أخرجاه في الصحيحين١.
وفي الصحيح أيضًا عنه أنه قال:
"على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه" ٢.
فإذا وجب عليه أن يجاهد بنفسه وماله: فكيف لا يجب عليه أن يبيع ما يحتاج عليه الجهاد بعوض المثل؟
_________
١ صحيح البخاري "٦/ ٣" عن ابن عباس. وصحيح مسلم "١٣/ ١٢" عن عائشة.
٢ ورد هذا الحديث في عدة روايات وبعدة ألفاظ، وعند البخاري في صحيحه "١٣/ ١٩٢" والإمام أحمد في مسنده "٢/ ٣٨١" و"٥/ ٣١٨" والنسائي في سننه "٧/ ١٣٨" وابن ماجه في سننه "٢/ ٩٥٧"، عن عبادة بن الصامت. وعند مسلم في صحيحه "١٢/ ٤٧٠، ٤٧١، ٤٧٢"، وعن أبي هريرة.
1 / 29