كل هذه الفروق كان يلاحظها بدر، فيشكر الله أنه خلصه من بلادة السوريات وهدف إليه أميركية تريح باله من كل هذه الأمور، فليس عليه إلا الاجتهاد وتحضير المال للمعيشة، وأما امرأته فعندها كل شيء إذا حضر المال.
كان لبدر صديق سوري ذكي الفؤاد، مختمر بالعبر وصروف الدهر وتقلبات الأيام، وقد التقى مرة به، فأخبره بدر بكل شعوره وراحة باله، فسمع منه صديقه كل بحثه عن الفرق العظيم بين الزوجة السورية وأختها الأميركية، ولكنه أخيرا قال له، وكان ذلك في عام 1902: «إن موضوعك جليل الفائدة، وفيه حقائق كثيرة، ولا أستطيع أن أبحث معك فيه طالما اختبرت الأمر بنفسك فتوصلت إلى معرفة الفرق بين السورية والأميركية، ولكن كم صار لك مع الزوجة الأميركية؟»
فأجابه بأن صار له نحو سنة. عندئذ هز صديقه رأسه، ماسكا طرف قبة سترته، ماطا بوزه قليلا، ثم تمتم هذه الكلمات: «ولكن لم تزل يا صديق في شهر العسل!»
في سنة 1910 كان الناس يتناولون الجرائد؛ ليقرءوا ماذا كان من أمر المحاكمة في الدعوى التي رفعتها مدام بدر مشرق على زوجها بدر، وقد انقضى عليها نحو سنتين تنتقل من محكمة إلى أخرى، والمحامون من الطرفين يوما يتفاوضون وآخر يتنازلون في المحاكم، حتى صدر الحكم النهائي بطلاق مسز مشرق من مستر بدر مشرق، وبتعيين راتب شهري يدفعه المستر للمسز في رأس كل شهر لإعالتها، وبأن يكون المنزل بما فيه من أثاث خاصتها.
أما الدعوى المذكورة؛ فقد كانت مبنية على أن المستر مشرق كان يهمل زوجته، ويعطي أكثر انتباهه لابنتها، فيجالسها ويلاطفها، في حين أن زوجته تكون منهمكة بأمور البيت، وأنه كان يزجرها ويغلظ كلامه لها، وقد فتر حبه من يوم صارت ابنتها صبية، وأنه مضى عليهما العام الأخير ولم يقبلها فيه قبلة من تلقاء نفسه إلا بعد صياح وشجار، وأنه كان يقضي الليلة والليلتين خارج البيت، في حين كانت تحيي الليالي ساهرة، مترقبة رجوعه إلى بيته.
وفي أواخر عام 1910 ارتاح بدر مشرق من الراتب الشهري لزوجته المطلقة، الذي أعياه وأثقل ظهره؛ لأن مسز مشرق غيرت اسمها، وشلحت اسم مشرق كما تشلح الشجرة ورقاتها في فصل الخريف، وغيرته باسم سلفان، وهذه كنية زوج جديد من لحمها ودمها. وقد تنفس بدر الصعداء عندما بلغه أن الراتب المعين عليه انتهى أمده.
في سنة 1913، كان بدر قد صار كهلا قريبا من الشيخوخة، وقد أحنت الأيام ظهره وأفقدت نشاطه، فصار ميالا إلى اللهو، ولولا الحاجة لما أعار شغله أقل انتباه. في تلك السنة دخلت إلى محله امرأة كهلة، وبعد أن حادثته قليلا عن شغل قالت له: «أنت بحاجة يا مستر بدر إلى شريكة لحياتك، تعتني بأمور بيتك بينما أنت تدير أشغالك في هذا المحل.»
أما هو فأجابها وقال: لقد شعرت بهذا منذ سنين، فراح البيت مع المرأة، والآن ليس لي إلا بضع سنوات في هذا العمر، وأظن هذا المحل يقيني الحاجة والسؤال إذا حافظت عليه.
فأجابته أنه إذا أراد المحافظة على شغله يجب أن يكون باله مرتاحا بأمور معيشته، ولا يرتاح إلا إذا دبر لنفسه بنت حلال كما فعل ابن أخيها، وقد كان شابا جبارا تهتز الأرض من وقع خطواته، فلما تزوج صار شابا لطيفا وعين الله ترعاه.
فقال بدر: «كنت مثله وأكثر، ولسوف يصير مثلي وأنحس.» وفيما هو يتكلم، وإذ دخل عليه صديقه الذي قال له إنه لم يزل في ذلك الحين بشهر العسل، فسلم عليه بعد طول غياب، وعندما سأله عن المدام التي رأى منها ما لم ير من زوجاته السوريات أخبره بما جرى عليه، وأنه صار يعتقد بعدها بألا فرق بين المرأتين السورية والأميركية، وأنه في حياته ما عاد يفتكر بسورية ولا بأميركية، فأجابه صديقه إذا كان الزواج عندك طلق المرأة وتزوج بأخرى، فإن كان من فارق بينهما أو لم يكن لا فرق عندك.
نامعلوم صفحہ