قال هذا وتنهد، ثم قص علي حكايته، وكيف آل إليه الحال.
تعلم أني شغلت في الولايات المتحدة خمس عشرة سنة أحمل صناديق بضاعتي فأبيعها على تجارنا في الداخلية، وقد جعلت شعاري في مطلع تجارتي حتى آخرها أن أكون مخلصا لزبائني نصوحا لهم؛ لأضمن حسن حالهم المعقود بنجاحي، وكان لي زبون في بلدة صغيرة في الداخلية أبيعه من بضاعتي كما أريد، وأمحضه النصح في المشترى والمبيع كأنه شريكي في العمل. وفي ذات يوم دخلت محله في أحد الأسفار فرأيت محله مزدحما بالصناديق المكردسة هنا وهناك، وبالبضائع المبعثرة بلا ترتيب ولا نظام؛ يبيع زبائنه وفي فيه سيكار طويل، فقلت في نفسي: «غريب والله كيف أنه يرزق مثل هذا الزبون، وهو على ما هو عليه من عدم الترتيب!»
وفي تلك الساعة وأنا أنتظره ريثما يفرغ من سيدة كانت تساومه على قميص؛ لأجلس وإياه وأبيعه قائمة بضاعة حرك أفكاري سيكاره، فقلت في نفسي: يجب أن أسأل هذا الرجل إذا كان محله مضمونا في شركات السوكرتاه؛ فإن حاله عرضة للحرائق، فلأسألنه.
وهكذا كان، فعندما جلست أسأله عما هو بحاجة إليه من البضائع سألته: أأنت مسوكر؟ فأجابني: «نعم مسوكر عند هذا.» قال هذا وأشار بيده إلى ناحية في محله، فلم أفهم معنى إشارته، ولكنني ظننت أنه أومأ إلى روزنامة معلقة على الحائط، وفيها اسم الذي ضمن له المحل؛ ولهذا ملت عن زيادة الاستفهام، واستأنفت الشغل وبيدي قلمي أكتب به مطلوبه من الأصناف.
وفي منتصف العمل عاودتني فكرة الضمانة، فكررت عليه سؤالي فقلت له: «قلت لي إن محلك مضمون، ولكنني لم أفهم عند أية شركة من شركات الضمانة.» فأعاد إلي إشارته بإصبعه وقال: «قلت لك عند هذا، هذا هذا، ألا تراه؟!»
أما أنا ففرست على خط مستقيم من إصبعه الدال فلم أجد سوى صورة، ولكنني خجلت منه فلم أستوضحه أكثر ومضيت في شغلي، ولما أنهيت كتابة القائمة وقد بلغت نحو خمسة آلاف ريال طويت القائمة وخبأت بضاعتي، ووقفت مترددا محتارا بأمري كأني كنت ناسيا شيئا، ولم أكن بالناسي؛ ولهذا ظللت واقفا موجما، وزبوني ينتظرني لأصافحه وأودعه، وأذهب من محله.
عندئذ قلت له: اسمح لي قبل أن أودعك أن أنقل اسم الشركة التي ضمنت لك محلك؛ لأن ذلك لازم لدفاتري، فكل زبون يجب أن أعرف الشركات التي تضمن محله.
فضحك مني وقال: «عجيب أمرك، قلت لك: عند هذا، عند هذا، ألا تراه؟»
فقلت: لا أرى غير صورة.
فقال: «نعم، صورة، ولكنها أيقونة مار أنطونيوس شفيع كنيستنا في الضيعة.»
نامعلوم صفحہ