على الحاكم أن يحاسب نفسه عن الأيام التي ضيعها في ملاهيه وملذاته وهو يقبض ثمن تلك الأيام من الرعية، فرب يوم يضيعه (الراعي) تهلك فيه نفوس الألوف من القطيع.
إن يوم رأس السنة هو يوم الحساب الشديد لتقويم كل اعوجاج فينا، وليس هو يوم قمار وشرب وسكر، ولا يوم أكل مما رزقنا الله من الطيبات دون أن نفكر بالآخرين. أمرنا الله أن نأكل من طيبات ما رزقنا، وأمرنا أيضا بالزكاة والإحسان، فهل تعمل يا صاحبي بواحدة من وصاياه ونترك الثانية.
فلو خففنا من هذا البطر ولو قليلا، لننفق تكاليفه على المحرومين لأمنا شر العواقب. إن أعوام الحياة مراحل، وإذا حمدنا الله على قطعنا إحداها، فلنقدم مع الحمد قربانا من الإحسان ليأخذ الله بيدنا ونصل آمنين إلى الواحة الكبرى، إلى بيت الجميع.
هناك ينعدم الفقر الذي هو صوت صارخ يطلب الانتقام من ثروتك. أخمد هذا الصوت بإحسانك، وترقب عاما جديدا يكون لك فيه إحسان جديد.
ليتك تتعود العطاء! جربه تنس لذة الأخذ. إنه لأسمى وأرفع. واليد العليا خير من اليد السفلى، والسلام عليك إن كنت محسنا، وإلا فسلامي يرجع إلي لأنك لا تستحقه.
موسم المقامرة
لا بد من خص القمار بحديث، وقد تقول إذا كنت من المقامرين: ما لهذا الرجل وهذا الموضوع الشائك؟! إنه يفتح أبوابا مغلقة في مطلع هذا العام. لا يا أخي، إن هذا اليوم هو يوم المقامرة العارم. وكأني أرى زوجتك تضع هذا المقال حد رأسك، إذا كنت ممن تركوا المائدة الخضراء في ساعة متأخرة من الليل لتصبحك به. وإذا كنت امرأتك من السيدات العصريات المقامرات، وأنت لست منهم، فإنني أتخيلك تقرأ هذه الكلمة بصوت جهوري لتسمعها ما كتبت لأنك لا تجسر أن تؤنبها، فهي حرة بمالها الذي جاءت به من بيت أبيها حين جاءت بيتك لتستتر تحت جناحيك .
اللهم صفحا عن زلاتنا وقوم اعوجاجنا. فقد صار القمار سمة للناس الراقين، وصار من لا يقامر - في نظر الطبقة العليا - رجلا غير متمدن. وقد يعذر من ينفق ماله على لذة من الملذات الدنيا، أما من يقامر فأية لذة يجد في تبديد ماله وثروته، فيمسي غنيا ويصبح فقيرا بين ليلة وضحاها، إذا شاكسه الحظ. فكم من بيوت عامرة دك أساساتها القمار! أعرف رجلا كان يملك ربع عكار، وكان له ولد وحيد أصيب بهذا الطاعون، فقال واحد لوالده: انتبه لابنك فإذا بقي على هذه الخطة (طير الدكة). فأجاب الأب: عصفور على بيدر، ماذا يأكل؟!
وبعد سنين التقيت بذاك العصفور في (سير) فإذا به منتوف الريش مكسور الجناح.
أعرف أناسا كثيرين قامروا على ثيابهم، وأعرف آخرين عجزوا عن إيجاد المال، فباعوا عفش بيوتهم، وأخيرا نزعوا الأبواب وباعوها. وأعرف غيرهم اقتلعوا شجر الزيتون وباعوه ليلعبوا في هذا اليوم السعيد. لا يثنيهم عن فعلتهم الشنعاء شرف، ولا يؤثر بهم لوم ولا تعنيف تاركين أولادهم عراة حفاة جياعا.
نامعلوم صفحہ