عند النصارى شيء يقال له: (فحص الضمير) وهذا ما يعمله المسيحي الممارس كل ليلة، فيستعرض حسنات النهار وسيئاته. وبعد أن (يقصد) إصلاح نفسه في الغد، ينام مستريحا. وقد سمعنا الحجاج، على قساوة قلبه، يقول في إحدى خطبه: امرؤ حاسب نفسه، امرؤ راقب ربه، فهل فعلت شيئا من هذا؟! هل ودعت عامك الذي انسلخ بفحص الضمير إن كنت مسيحيا؟ وهل حاسبت نفسك إن كنت مسلما، لترى إذا كنت زكيت مالك؟ معاذ الله أن أسيء الظن بك، وأقول: إنه لا يعنيك إلا أن تعرف مقدار ما جمعت؟ ومعاذ الله أن أقول: إن دفترك ليس فيه للفقير باب (إلى).
قل لي: ماذا أنفقت أمس على الطاولة الخضراء، بل ماذا خسرت زوجتك؟! ألا تستحي يا أخي من أن تلعب وأولادك على طاولة واحدة بحجة كشف البخت؟! أتصدق الورق الكذاب؟! ألا تدري أن صغار الأمور تؤدي إلى كبارها، فكيف تدفع ولدك إلى هاوية اللعب؟! قل لي: كم كانت تكاليف مأدبتك يوم العيد؟! بحياتك لا تكذب.
هل خرج من كيسك ثمن رغيف لفقير؟! هل فكرت بإعطاء شيء من ثيابك وأحذيتك العتيقة إلى العراة والحفاة من إخوانك الآدميين، يا آدمي؟!
كم دفعت بمناسبة هذا العام ثمن لعب وهدايا، وكم قطعت من الثياب الأنيقة لزوجتك وبناتك وبنيك في هذا العيد؟ ترى من هو أحوج إليها، أأولادك وأحفادك وخزائنهم ملأى بها، أم ابن جارك الحافي العريان الجوعان؟ إنه محتاج إلى رغيف ليفك ريقه ويسند قلبه، وإلى قطعة من القماش الرخيص يستر بها عورته. وكلب زوجتك المدلل - جل شأنك وشأنها - ما ضره لو عودته أكل الخبز بدلا من البسكوت، وأكل فضلات المطبخ بدلا من لحم الضأن وعلب السمك والدجاج، ثم أعطيت فضل ما بينهما فقيرا ملهوفا يأكل الخبز بعينيه ولا يمسه بيديه.
الناس - اليوم - يلجئون إلى التقنين الصارم. فلماذا لا تعود - ولو كلابك - على هذا وتحسن بما توفره إلى أخيك الإنسان. أنت غني من فضل القدر الأعمى لا كدك واجتهادك، فلماذا لا تزكي مالك وتزين غناك بالإحسان؟
إن من طالت يده بالمواهب تمتد إليه ألسنة المطالب، وأنت تعترف ولا شك بنعمة الله عليك، فلماذا لا تقضي حقوق المروءة وتفي ديونها عليك؟ إن البيت الذي لا يخرج منه شيء في سبيل الله لا بد من تسكير أبوابه إما عاجلا وإما آجلا.
الثمر يستحلى في أوانه، والشيء يحسن في إبانه. وهذا موسم الإحسان يا صديق الدينار، لا تقس قلبك فيقسو قلب الله عليك، فهو حين أنعم عليك كأنه اختارك دون غيرك قيما على البؤساء والمساكين، فإن كنت لم تقم بهذا الواجب أمس فعجل، وقم به غدا، وخير البر عاجله.
إذا كانت محاسبة النفس واجبة علينا كل ليلة؛ فكيف بها حين يموت عام ويولد عام! أفما يجب أن نولد نحن معه؟ وكما نعمل ميزانية تجاراتنا يجب أن نعمل ميزانية حسناتنا، لنرى ما علينا وما لنا عند الإنسانية.
أرأيت في عمرك ودهرك حيوانا يشاركه أحد في طعامه؟! فكيف أكون حيوانا بعدما شرفني الله فخلقني إنسانا؟!
وهناك محاسبات كثيرة غير هذه، ولا بد من هذه المحاسبات لجميع طبقات البشر من السيد الرفيع إلى الخادم الوضيع، وما بينهما من خلق الله. فكل منهم مسئول عن عمله. الحاكم يجب أن يحاسب نفسه ليرى كيف ساس رعيته لكي يحسن إن كان ظلم وأساء، ولكي يحسن أكثر إن كان أحسن، فمجال الإحسان رحب واسع.
نامعلوم صفحہ