راحت جريتا تتجول في المكان والابتسامة تعلو وجهها، ولم ينظر إليها أحد بطريقة تنم عن معرفتها أو السعادة بتواجدها، ولم عساهم يفعلون ذلك؟ كانت تقع عليها عيون الحاضرين للحظات ثم لا يلبثون أن يستأنفوا حواراتهم، ويضحكون. كان الجميع فيما عدا جريتا محاطين بالأصدقاء، منهمكين في تبادل النكات وأشباه الأسرار، وبدا الأمر وكأن كل شخص قد عثر على من يرحب بتواجده، فيما عدا الفتيات المراهقات اللاتي كن يقدمن المشروبات الوردية وهن عابسات متجهمات الوجه.
ومع ذلك، فلم تستسلم؛ لقد أنعشها المشروب وعزمت على أن تتناول كوبا آخر بمجرد أن تمر من أمامها إحدى هؤلاء الفتيات. راحت تبحث عن أي مجموعة تتجاذب الحديث وبها مساحة كافية تستطيع أن تزج بنفسها خلالها لتقف وسط أفرادها. بدا أنها وجدت واحدة عندما ترامت إلى مسامعها أسماء بعض الأفلام؛ كانت أفلاما أوروبية مثل تلك التي بدأت تعرض في فانكوفر في ذلك الوقت. سمعت اسم أحد الأفلام التي كانت قد ذهبت لمشاهدته هي وبيتر، وكان يحمل اسم «الأربعمائة ضربة». قالت بصوت عال وبحماسة شديدة: «أوه، لقد شاهدت ذلك الفيلم.» فالتفت إليها الجميع، وقال أحدهم، والذي يبدو بوضوح أنه المتحدث باسمهم: «أحقا فعلت ؟»
كانت جريتا ثملة بالطبع، فقد تجرعت مزيجا من مشروب الفاكهة الكحولي بيمز نامبر وان وعصير الجريب فروت الوردي دفعة واحدة، ولم تشعر بالاستياء حيال تلك الإهانة كما كان يمكن أن تفعل في الأحوال العادية. لكنها واصلت تجولها في المكان وقد أصابها بعض التشويش، وأصبحت لا تعرف ما يدور حولها، لكن انتابها شعور بأنه يوجد جو من التسامح في المكان، وأنه لا يهم أن تكون صداقات فيه؛ فبإمكانها فقط التجول وإصدار أحكامها على ما حولها.
كان هناك رهط من الناس ذوي الأهمية يقفون عند ممر بالمنزل، وقد لمحت من بينهم مضيف الحفلة؛ وهو الكاتب الذي كانت تألف اسمه ووجهه لفترة طويلة. كان يتحدث بصوت عال، وتخرج كلماته سريعة ومتلاحقة وبدا وكأن هناك خطرا يحدق به، وكان بجواره اثنان من الرجال كانت نظراتهما بمنزلة إهانة موجهة نحوك. وكانت زوجاتهم - في اعتقادها - هن اللاتي يصنعن تلك الدائرة التي كانت تحاول اقتحامها.
لم تكن المرأة التي فتحت لها الباب تقف وسط أي من المجموعتين؛ حيث كانت هي الأخرى كاتبة، ورأتها جريتا تلتفت مستديرة عندما نادى أحدهم اسمها؛ كان اسم أحد المساهمين في المجلة التي نشرت فيها أعمالها هي الأخرى. ومن هذا المنطلق، أليس من الممكن أن تتجه نحوها وتقدم نفسها إليها، كند مساو لها على الرغم من المقابلة الفاترة التي كانت عند الباب؟
لكن المرأة الآن كانت تضع رأسها على كتف الرجل الذي نادى اسمها، وما كانا ليرحبا بأية مقاطعة لحديثهما.
جعلها ذلك تقرر الجلوس، وحيث إنه لم توجد أية مقاعد خالية فقد جلست على الأرض، وراحت تفكر وتتذكر حينما ذهبت بصحبة بيتر لإحدى الحفلات الخاصة بالمهندسين؛ حيث كان الجو العام مبهجا بالرغم من الأحاديث المملة؛ وذلك لأن الجميع كانوا يشعرون بأهميتهم على الأقل في وقت الحفل. أما هنا فلا يأمن أحد من الأحكام التي قد تصدر والانتقادات التي توجه من خلف الظهور، حتى إن كانوا من الأشخاص المعروفين ومشاهير الكتاب. لقد كان جوا غير مريح من المكر والتوتر، بغض النظر عمن تكون.
وها هي قد يئست من أن يجاذبها أحد أطراف الحديث بأي نحو.
شعرت بالراحة عندما اقتنعت بنظريتها بأن الجو العام لا ينم عن البهجة والسرور، ولم تهتم كثيرا بما إذا كان سيتحدث معها أحد أم لا. خلعت حذاءها وانتابها شعور غامر بالراحة. اتكأت بظهرها على حائط ومدت ساقيها في أحد الأماكن التي لا يمر بها كثيرون. لم ترد المخاطرة بسكب مشروبها على البساط؛ لذا انتهت من احتسائه سريعا.
وقف أمامها رجل وقال: «كيف وصلت إلى هنا؟»
نامعلوم صفحہ