حولت جريتا نظرها عنهم وراحت تبحث عنه عبر نوافذ القطار، ولوحت له من خلال عربة المشاهدة المقببة، ولمحها هو وراح يلوح بدوره لها هو الآخر.
قالت لكاتي: «ها هو جريج، انظري لأسفل هناك. إنه يلوح لك، ألن تلوحي له؟»
لكن كاتي وجدت صعوبة كبيرة في أن تلمحه وتنظر صوبه، أو أنها على الأقل لم تحاول. استدارت مبتعدة على نحو ملائم وبشيء من الضجر، واستدار جريج مبتعدا هو الآخر بعد أن لوح للمرة الأخيرة والتي كانت على نحو هزلي. وتساءلت جريتا إن كانت الطفلة تعاقبه لتركه لها، ومن ثم رفضت أن تلقي نظرة سريعة نحوه أو حتى تقر بوجوده.
حسنا، إن كان هذا هو الوضع، فلننس الأمر.
قالت جريتا وقد بدأ القطار يتحرك: «لقد لوح لك جريج.» «أعلم.» •••
بينما كانت كاتي تنام بجوار جريتا في فراشها تلك الليلة، أخذت جريتا تكتب خطابا لبيتر. كان خطابا طويلا قصت له فيه ما دار مع كل الأشخاص الذين صادفتهم في القطار، وأرادته أن يكون لطيفا ومرحا. أخبرته أن معظمهم كانوا يفضلون رؤية الأشياء من خلال كاميراتهم عن مشاهدتها على الطبيعة، إلى آخره، وحكت له أيضا عن كاتي وسلوكها الهادئ اللطيف بوجه عام أثناء الرحلة. لم تذكر له شيئا عن ضياعها بالطبع، أو عن الفزع الذي انتابها بسبب ذلك. ثم أرسلته عندما كانت أرض البراري قد توارت عن الأنظار تماما، ولم يكن أمامهم سوى منظر أشجار التنوب المارياني الممتدة بلا نهاية، وتوقفوا لسبب ما في هورنيباين، تلك البلدة الصغيرة المجهولة.
كرست كل الوقت الذي ظلت مستيقظة خلاله للعناية بكاتي، وكانت تعلم جيدا أنها لم تفعل ذلك من قبل على الإطلاق. لقد كانت حقا تهتم بالطفلة، وتلبسها، وتطعمها، وتتحدث معها، خلال كل تلك الساعات التي يكونان فيها معا، ويكون فيها بيتر في عمله، لكن كانت توجد أيضا لدى جريتا أشياء أخرى تفعلها في المنزل؛ لذا كان اهتمامها مجرد اهتمام سريع ومتقطع، وحنوها عليها شيئا تلقائيا وآليا في الغالب.
ولم تكن أعمال المنزل فقط هي السبب في ذلك؛ فقد كانت هناك أفكار أخرى تسيطر على ذهنها وتزيح الطفلة بعيدا عن بؤرة اهتمامها. حتى قبل انشغالها الساذج والمنهك بذلك الرجل الذي في تورونتو، والذي لم يكن هناك طائل من ورائه، كان هناك أيضا مجال الشعر الذي بدا أنه كان يشغل عقلها معظم حياتها، وقد بدا لها الآن أن ذلك كان بمنزلة نوع آخر من الخيانة؛ لكاتي، ولبيتر، ولحياتها كلها. والآن وبسبب تلك الصورة المرتسمة في مخيلتها لكاتي وهي تجلس وحيدة؛ كاتي بمفردها وسط ضجيج الألواح المعدنية بين عربات القطار، فهناك شيء آخر ستقلع عنه.
خطيئة. لقد كانت تحول انتباهها إلى مكان آخر، وصبت جم انتباهها بشدة على شيء آخر بخلاف طفلتها. إن هذا خطيئة. •••
بلغوا تورونتو في منتصف الصباح. كانت السماء ملبدة بالغيوم، وبرق ورعد الصيف يشقان السماء. لم تكن كاتي قد رأت مثل هذه الاضطرابات في الطقس في الساحل الغربي، لكن جريتا قالت لها إنه ليس ثمة ما تخشاه، وبدا أنها لم تكن خائفة. ولم تشعر بالخوف أيضا من تلك الظلمة التي واجهوها في ذلك النفق المضاء بالكهرباء وتوقف فيه القطار.
نامعلوم صفحہ