كانت النقود سترسل على صندوق بريدي باسم ليليان، وتوضع النقود في مظروف موجه لها، وترسل لها النقود مرتين في العام، والتواريخ كانت متروكة لها. وينبغي ألا يكون هناك تأخير في إرسال النقود حتى ليوم واحد، وإلا فإنها ستبدأ في القلق، على حد قولها.
لم يلمس كوري إلا حينما حياها بتحية وداع تنم عن الامتنان وتكاد تكون شبه رسمية، وكان لسان حاله يقول: إن هذا الموضوع ينبغي أن يكون بعيدا كل البعد عما بيننا. سنبدأ من جديد، وسنشعر ثانية بأننا لا نجرح أحدا ولا نقترف إثما. هذا ما أفصحت عنه لغته الصامتة، أما ما أفصحت عنه لغتها، فقالت فيما يشبه المزاح الذي لم يفلح في تخطي الأمر. «لقد ساهمنا بالفعل في تعليم ليليان؛ فهي لم تكن على هذا القدر من الذكاء من قبل.» «نحن لا نريدها أن تصبح أكثر ذكاء، وتطلب المزيد من النقود.» «سنفكر حينها فيما يجب فعله. على أية حال يمكننا حينئذ أن نهدد بإبلاغ الشرطة، بل بمقدورنا فعل ذلك من الآن.»
قال: «لكن هذا معناه نهاية علاقتنا أنا وأنت.» وكان بالفعل قد حياها بتحية الوداع وأدار رأسه مبتعدا، وكانا حينها يقفان في الشرفة الخارجية.
قال: «وأنا لا أستطيع تحمل نهاية علاقتنا أنا وأنت.»
قالت كوري: «إنني سعيدة لسماع ذلك.» •••
مر الوقت سريعا حتى إنهما لم يعودا يتحدثان عن هذا الأمر. كانت تعطيه النقود بالفعل في مظروف حتى يرسله لليليان. في البداية، كان ينخر تعبيرا عن اشمئزازه من الأمر، لكن هذا الصوت تحول فيما بعد إلى تنهد ينم عن الإذعان، كما لو أن أحدهم قد ذكره بأن عليه أداء مهمة روتينية ما. «كم يمر الوقت سريعا!» «حقا، أليس كذلك؟»
ربما قد قالت كوري: «مال ليليان الحرام.» وبالرغم من أنه لم ينتبه إلى هذا التعبير في البداية، فإنه قد اعتاد هو الآخر أن يستخدمه فيما بعد. وكانت تسأله في البداية إن كان قد رأى ليليان ثانية، أو إن كانت هناك حفلات عشاء أخرى.
فكان يذكرها قائلا: «إنهما ليسا من أصدقائنا المقربين.» ويضيف أنه بالكاد يلتقي بهما ولا يدري حتى إن كانت ليليان لا تزال تعمل لديهما أم لا.
ولم تكن كوري تراها هي الأخرى، وكان أهلها يعيشون في الريف، وإن حدث أن أتت ليليان لزيارتهم، فإنه من غير المرجح أن يأتوا للتسوق في هذه البلدة، التي كانت تتدهور الأحوال فيها على نحو سريع؛ فقد أضحى الشارع الرئيسي خاليا من المتاجر إلا من متجر صغير يشتري منه الناس تذاكر اليانصيب أو البقالة التي يحتاجونها، ومتجر آخر للأثاث تعرض واجهته نفس المناضد والأرائك منذ فترة طويلة، ويبدو أنه لا يفتح أبوابه مطلقا، ومن المحتمل ألا يحدث هذا، وظل هكذا حتى مات مالكه في فلوريدا.
بعد وفاة والد كوري، تولى إدارة مصنع الأحذية إحدى الشركات الكبيرة التي وعدت - أو هكذا اعتقدت كوري - بأن تستمر في تشغيله في نفس النشاط. ولكن خلال عام واحد أضحى المبنى خاويا، ونقلت الآلات إلى بلدة أخرى، ولم يتبق فيه سوى بعض الآلات التي عفى عليها الزمن والتي كانت تستخدم من قبل في صناعة كل من الأحذية العادية والأحذية العالية الرقبة. وتبادرت إلى ذهن كوري فكرة أن تقيم متحفا صغيرا طريفا لعرض مثل هذه الأشياء، وشرعت هي ذاتها في ترتيب الأمر، وكانت ستقوم بدور المرشدة التي ستشرح كيف كانت تصنع الأحذية باستخدام تلك الآلات. كان المدهش في الأمر معرفة كيف أنها أصبحت على هذا القدر الكبير من المعرفة، لكن الذي ساعدها في ذلك بعض الصور الفوتوغرافية التي كان والدها قد التقطها كي تكون وسائل توضيحية في محاضرة ربما يكون قد ألقاها هو بنفسه - وكانت مكتوبة على الآلة الكاتبة بنحو سيئ - على الملتحقات بمعهد السيدات، حينما كن يدرسن الصناعات المحلية وقتها. وبالفعل، بحلول نهاية فصل الصيف استطاعت كوري جلب بعض الزائرين إلى المكان، وكانت على ثقة من أن الأمور ستكون أفضل في العام التالي، وخاصة بعد أن وضعت لافتة دعائية عن المكان على الطريق السريع، ووضعت إعلانا عنه في أحد الكتيبات الدعائية السياحية.
نامعلوم صفحہ