71

ولم يكن يسمى بطبيعة الحال بنادي العجول، ولكنني سميته كذلك؛ لأن رؤساءه كلهم من أصحاب الوزن الثقيل؛ ولأنه «حظيرة» من حظائر «الدواب » الآدمية لا تخلو من القرون ...!

وأضعف الأعضاء نفوذا في ذلك النادي الموقر كان يملك الترخيص لي بالسفر على حساب الحكومة إلى جزيرة مالطة، غير مشكور مني ولا ملوم من أحد على ذلك الإحسان بالإكراه ...

ولكنني كتبت المقال، وتناسخه الأدباء، وأرسلته إلى الصحف، وقرأه النادي كله في جلسة حافلة من جلساته، وتقرر في تلك الجلسة مصير الفضولي الجسور الذي يجترئ على ذوات القرون، وعلى ذوات القناطير المقنطرة من الشحوم واللحوم!

مقامة فكاهية

وأعود فأقول: إن القافية هي التي قضت قضاءها في الموضوع - ولا قضاء لي فيه ولا مشيئة - فخرج الموضوع كما ينبغي أن يخرج مقامة فكاهية أو قصيدة منثورة يقرؤه من خلا ذهنه من «الموضوع» فلا يشتم منها رائحة الحملة التي يجترئ بها القائل على الحكم العرفي المخيف، ولا على الحكم القانوني اللطيف ... ويقرؤها من امتلأ ذهنه «بالموضوع»، فتغريه بحفظها وترديدها، وهو يسأل الله السلامة من تلك العجول.

قال رئيس النادي في مقدمة المقامة: «أيها السادة ... إن العجل مدني بالطبع، ونحن معشر العجول قد ميزنا الله على بني آدم بضخامة الأجسام، وصلابة القرون ... وقد غبر بهؤلاء الناس زمان كانوا يعرفون فيه بأسنا ويتمسحون بأذيالنا، حتى أيقنوا أن لن يقوى على حمل هذه الدنيا أحد سوانا، فعبدونا من فرط الإجلال ... وسبحوا لنا بالعشي والآصال، وكانوا يحسدوننا على قروننا، فدعوا أكبر أبطالهم وأشدهم بأسا وأرفعهم ذكرا - أعني الإسكندر المقدوني - بذي القرنين، وما إسكندرهم هذا وما قرناه؟! إن أصغر عجل فينا ليهشم رأسه إذا ناطحه، ويجندله إذا واثبه أو صارعه، فالعجب لك أيتها العجول لم لا تذكرين ذلك المجد الخالد، فتقام لك الصوامع والمعابد، بدل النوادي والمعاهد ...»

وقضى حكم القافية قضاءه في قراءة «الموضوع» كما قضاه في كتابته، فأصبحت المقامة في مدى يومين كأنها بعض المحفوظات المقررة التي يؤدى فيها الامتحان بعد يومين آخرين، وراح أولاد الحلال يتساءلون كلما عرض لهم من يعنونه بالسؤال: لم لا تذكرون ذلك المجد الخالد، فتقام لكم الصوامع والمعابد؟ ومنهم من كان يتخابث ويتجاهل، ويخاطب العضو من الأعضاء التابعين غير المتحدثين، نعني بهم زمرة الأعضاء المسوقين المسخرين، فيقول: أنت مدني بالطبع ... أنت أشجع من الإسكندر ... أنت يقام لك وزن ... أنت مخير على الآدميين، إلى أشباه هذه «التلقيحات» الرمزية التي كانت أصرح عند القائل والسامع من النداء الصريح.

وكانت المناوشات بيني وبين المدير سجالا قبل شيوع تلك الكلمة عن نادي العجول ... كنت أشكوه وأعزز الشكوى بالبينات، ثم تستدعيه وزارة الداخلية، فنقرأ في الصحف أنه قابل عظمة السلطان، ثم يكشف هو بحماقته عن سر هذه المقابلة التي يستدعى لأجلها من أسوان، فتعلم أنه سمع فيها ما ليس يرضاه.

الرشوة والإتاوات

وكانت هذه المناوشات تجري سجالا بين مرتجلة أو مدبرة حتى شاع في المدينة، ثم الإقليم، ذلك المقال المنشور عن نادي العجول ... فإذا بالمناوشات التي كانت قصة مبعثرة الفصول تتركز، وتنتهي إلى مخرجها الذي تحكم به القافية مرة أخرى، فلا مناص لواحد من اثنين: أن يخرج من المدينة المدير أو كاتب المقال عن نادي العجول ...

نامعلوم صفحہ