وفي هذه الفترة تنمر الخديو للحركة الوطنية، وأدار ظهره لطلاب الدستور، وعمل جهده على استئصال نهضة الإصلاح في الأزهر بعد وفاة الأستاذ الإمام، وأعلن عداءه لمدرسة القضاء الشرعي، وكاد يقضي عليها ...
وثارت الثائرة على الخديو من داخل الأزهر وخارجه، فتكلم مرة عن نهضة الإصلاح الأزهري، وأقسم أنه يغار على الإصلاح غيرة أصدق من دعوى المدعين للغيرة عليه ...
وكتبت يومئذ مقالا مطولا استغرق الصفحة الأولى من صحيفة «الأخبار» التي كان يصدرها الشيخ يوسف الخازن، ويحررها الأستاذ توفيق حبيب، قلت فيه ما فحواه: إن الملوك لا يحتاجون إلى القسم؛ لأنهم يثبتون نياتهم بالأعمال، لا بالأقوال!
براءة المشايخ
وكان في وسعي أن أكتب هذا المقال في صحيفة الدستور؛ لأن صاحبها - الأستاذ فريد وجدي - كان كما أسلفت من أرحب خلق الله صدرا لحرية الرأي وحرية المناقشة، ولكنني قدرت له حريته هذه، فلم أشأ أن أحرجه في مسألة ترتبط بالأزهر والإصلاح الديني، وقد كانت له في العالم الإسلامي مكانة تشبه مكانة الأقطاب الدينيين ...
فلما ظهر المقال في صحيفة الأخبار بتوقيع «ع الأسواني» قلقت له الحاشية الخديوية، وظنوا أنه من إيحاء بعض المشايخ الأزهريين ... فأكبروا هذا «التمرد» من معقل الخديو الأمين في أيامه، فاستدعت النيابة صاحب الأخبار، وسألته عن اسم صاحب المقال، فأذنت له أن يطلعهم عليه، ولعلهم اطمأنوا إلى هذه النتيجة بعد أن علموا ببراءة المشايخ من الشبهة، فانطوت المسألة ووقفت عند هذا الحد، إشفاقا من إثارة القضية الأزهرية في أطوار التحقيق والمحاكاة والدفاع، وتعليقات الصحف وأحاديث المتحدثين.
ولولا ذلك لسبقت نفسي بثلاث وعشرين سنة، فكنت أول من حوكم على تلك العيوب الملكية التي يحملها أصحاب العروش، ويحاسب عليها أصحاب الأقلام.
يومية وغير يومية
كانت الصحف المصرية عند أوائل هذا القرن تنقسم إلى يومية وغير يومية، ولم تكن هناك صحف أسبوعية بالمعنى الذي نفهمه من الصحافة التي تصدر مرة كل أسبوع، فإن لم تكن الصحيفة يومية، فالصحف التي يقال عنها: إنها أسبوعية قد تصدر مرة كل شهر أو مرة كل شهرين، أو تنتظم على الصدور يوما في كل أسبوع إلى أمد محدد، ثم تنقطع دفعة واحدة، أو تعود إلى الانقطاع على دفعات ...
وكانت مواعيد الانقطاع على الجملة أصدق من مواعيد الصدور ... لأنه كان يتكرر على التحقيق حيث يتعذر التحقيق من موعد للصدور ...
نامعلوم صفحہ