ثم انطلقت فيها حرية الصحافة وحرية الاجتماع، فتمت فيها معدات الدعوة، وترادف عندها نمط الدعوة القديم، ونمط الدعوة الحديث ...
تاريخ الشرق مرتبط بصحافته
وفيما تقدم من العوامل والمهيئات كفاية، ولكننا نحسب أنها لم تكن لتفعل فعلها بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لو لم تكن الدعوة في هذه الفترة مطلوبة من كل صوب، ولو لم تكن بلاد الشرق متعطشة الأسماع إلى كل صوت ينادي بكلمة الأمل، أو كلمة النصيحة والتحذير ...
ولا ننسى سحر «الكلمة المطبوعة» في جدتها قبل أن تبتذلها كثرة التداول، وتدخلها الألفة في عداد اليوميات الرتيبة، التي تنتظر في أوقاتها، ولا تحتاج إلى لهفة الانتظار ...
وإن تعجب لسر من أسرار تلك الدعوة في نفاذها، وبعد مداها، فاعجب للبون الشاسع بين ضخامة أثرها وضآلة وسائلها، وانظر إلى البون الشاسع مثلا في صحيفة كصحيفة «العروة الوثقى» أو «أبو نضارة» أو «اللطائف» أو «الأستاذ». وريقة ذات مقال وبضعة أخبار من قبيل الأخبار البوليسية أو البرقيات المقتضبة، وتحاول أن تتبع أثرها إلى أقصى مداه فلا تستقصيه؛ لأنك قد تسمع صداه في تخوم الصين وعلى متون الرمال في جوف الصحراء ...
ولا محل للمقارنة من الوجهة الفنية بين تلك الصحافة وصحافتنا اليوم، ولكن لا محل كذلك للمقارنة بين دعوة يطلبها الناس ويتشوقون إليها، ودعوة تطلبهم وتحتال عليهم بأفانين الترغيب والتقريب.
إن منظر الحساب بين مدير الصحيفة الأسبوعية ووكيلها قد يصح أن يثنيني عن طبع العدد الأول من صحيفتي المطوية، وأن يضعف أملي في تحصيل تكاليفها بعد عدد أو عددين ...
ولكن هل تراه يذهلني عن هذه القوة الهائلة، وأنا أحسها من حولي كالدوامة المدوية في لجة البحر الموار بالأمواج والرياح؟
إن ألف دجال باسم الطرق الصوفية لا يمسحون من الضمائر قداسة الدين، وإن ألف دجال باسم الصحافة لا يمسحون قداسة «الكلمة» الحية بين أناس يحتاجون إلى الكلمة حاجتهم إلى العمل في ساعة اليقظة من سباتهم الطويل ...
إن الصحف التي تستغل مخاوف الملوك وفضائح الدول لا تستطيع أن تملأ الجو من أعلاه إلى أدناه، ولا أن تستوعبه بجميع زواياه ...
نامعلوم صفحہ