102

ثم سألني: «عندكم في مصر قوة تقدم، وقوة محافظة وجمود، وقوة بريطانيا العظمى، فأيها يكون له التغلب فيما تظن؟»

قلت: «أتسأل عن المدى الطويل أم المدى القصير؟»

قال: «بل عن المدى الطويل.»

قلت: «سيكون الغلب لا محالة لقوة التقدم.»

قال: «يسرني أن أسمع منك ذلك.» •••

واستطردنا إلى الكلام عن مؤلفاته فوجدته أقل ما يكون رضا عن قصصه، وأكثر ما يكون رضا عن تراجمه، ولا سيما ترجمة نابليون فيما أذكر، فقلت له أيضا: «يسرني أن أسمع منك ذلك؛ لأنه هو الصواب فيما أراه.»

وتركته وفي نفسي أثر من لقائه يقارب الأثر الذي استخلصته من قراءة كتبه، وهو أنه صحفي راق، وأن تواريخه وأدبياته أقرب إلى تبليغات المجلات أو تعليقاتها، وإن كانت تفوق بعض ما يكتبه المتخصصون من البحوث والدراسات؛ لأنه يكسوها طلاوة لا نجدها كثيرا في تلك البحوث والدراسات.

برنارد شو في أسوان

شمس ربيعية لم تعترف قط بالشتاء، وأرض تحمل في كل بقعة من بقاعها سمات التاريخ الذي يطوي الفصول والسنين، ونيل خالد وقور يوحي إليك أن تقيسه بألوف العهود والأجيال، ولا تقيسه بألوف الفراسخ والأميال، وجبال من حولك كأنها أسوار تدور على صومعة ناسك لا تراه بالعينين، أو كأنك تسمعه بأذنيك يقول في سكينته الأبدية: «ها أنا ذا لم أحفل بشيء في دنياك، فماذا أصابني على مر الزمن؟ لا شيء ... فلا تحفل يا بني بشيء!»

تلك هي أسوان في هذا الشتاء، وفي كل شتاء، وتلك هي أسوان التي أقضي فيها بضعة أيام - وفي وسعي أن أقول: بضعة قرون - حين تغمرني بتلك الآفاق التي لا تعرف حساب الزمن.

نامعلوم صفحہ