في خامس صفر، وصل إلى بغداد نور الدين أرسلان شاه بن عماد الدين زنكي صاحب شهر زور فخرج موكب الديوان إلى لقائه وفي صدره عارض الجيوش أبو الحسن علي بن المختار وخادمان من خدم الخليفة، فلقيه بظاهر السور ودخل معه وقصد باب النوبي وقبل العتبة ثم دخل إلى نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة فرفع قدره وخلع عليه ثم خرج ومضى إلى دار عينت له بمحلة المقتدية منسوبة إلى النقيب الطاهر معد الموسوي وأسكن أصحابه في دور مجاور لها، وكان جميل الصورة ظريف الشكل لطيف القد، واستدعي في حادي عشر الشهر إلى البدرية فحضر عند شرف الدين أقبال الشرابي فشرفه بلباس الفتوة نيابة ووكالة عن الخليفة وخلع عليه، وفي رابع عشرية، عمل له دعوة بالمدرسة المستنصرية وحضر إليها وجلس على طرف أيوابها الصغير وفرقت الربعات وقرئت الختمات وذكر المدرسون بها الدروس ثم نهض فدخل دار كتبها فجلس بها ساعة، ثم خرج متوجها إلى داره، واستدعي في خامس عشري الشهر إلى دار الوزارة وخلع عليه وقلد سيفا وحمل على فرس بمركب ذهبا وعدة كاملة وأعطي خمسة أحمال كوساة ونقارات وما يناسب ذلك من الآعلام وغيرها وأنعم عليه بخمسة آلاف دينار، وأذن له في العودة إلى بلده فتوجه في ذلك اليوم.
في ربيع الأول، ختم الأمير أبو القاسم عبد العزيز ولد الخليفة المستنصر بالله القرآن المجيد، على مؤدبه العدل أبي المظفر علي بن النيار وجرت الحال في الدعوة وخلع على ما تقدم شرحه في ختمة أخيه.
وفيه، عزل تاج الدين علي بن الدوامي عن صدرية المخزن مراسلة بحاجب وكان في عقابيل مرض ورتب عوضه أبو فضلة هاشم بن علي بن الأمير السيد العلوك ثم ولي تاج الدين في شهر رجب حجبة باب النوبي وأمر الشرطة.
وفيها، قصد جماعة عيادة مريض وهو على سطح دارة فقعدوا عنده ساعة فوقع السقف ووقعوا كلهم فماتوا جميعهم إلا المريض.
كم من مريض قد تحاماه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
وفيها، وصل أمير الحاج أبو فراس أبن أبي فراس ومعه العرب الأجاودة الذين تعرضوا لأذية الحاج ومنعوهم الحج في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وكل منهم قد كشف رأسه وجعل على عنقه كفنه وبيده سيفه ومعهم نساؤهم وأولادهم فقصدوا باب النوبى وقبلوا الأرض ورمى النساء براقعهن وضججن بالبكاء والتضرع فعرفوا قبول توبتهم والعفو عنهم وأنعم عليهم باكسوات وغيرها وعادوا إلى أماكنهم.
وفيها، حضر عبد الله الشرمساحى مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية بالبدرية عند شرف الدين أقبال الشرابي وأنعم عليه بلباس الفتوة نيابة ووكالة عن الخليفة.
وفي هذه السنة، قصد ملك الروم مدينة آمد وحصرها وضيق على أهلها وجرى بين العسكرين قتال وقتل من الفريقين خلق كثير وقلت الأقوات وتعذرت على أهل البلد فأرسل صاحبها إلى الخليفة يعرفه ذلك ويسأله مراسلة ملك الروم في الكف عنه فأمر الخليفة بانقاذ أبي محمد بن الجوزي فتوجه نحوه، وقال: لما وصلت إليه وجدت عساكره قد أحاطت بمدينة آمد وأهل البلد في ضر عظيم فعرضت عليه مكتوب الديوان فذكر أن أولئك هم الذين ابتدأوا وقتلوا أصحابه، قال: فأخرجب خط الخليفة بقلمه وتلوت قوله تعالى (كتاب أنرلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وقبلته وسلمته إليه فقام ووضعه على عينه ورأسه وقرأه وأمر في الحال بالكف عن القتال والرحيل عن البلد.
وفيها، أمر الخليفة بعمل مزملة بالقرب من قبر أحمل بن حنبل رضي الله عنه لاجل الزوار الواردين فلما تكامل بناؤها فتحت وجعل فيها الحباب وملئت من الجلاب، ورتب فيها قيم يقوم بمصالحها ونظم الشعراء في ذلك قصائد منها: ما قاله جعفر بن مهدوية الكاتب من قصيدة يمدح بها الخليفة:
وقبر أحمد قد طرزت حليته ... بحلية زينت منه مبانيه
ثم أتخذت لنا فيه مزملة ... ندل أنك يوم الحوض ساقية
فاسلم فدتك الرعايا يا أمام هدى ... تهدي إلى الحق من قد ضل في البته
وفيها، قلد أقضى القضاة عبد الرحمن بن المغاني علي بن البصري قاضي دجيل قضاء واسط وأعمالها.
صفحہ 25