فسألت موريس: إذن إيفون مومس؟
فأجاب: نعم هي مومس في عرف الجمهور، ولكنك متى اطلعت على سيرتها تستخلص منها وصفا لغير مومس.
فارقت أصحابي في آخر السهرة إلى البيت والسهاد يحاول ألا يفارقني، اضطجعت في سريري والأرق مضطجع في سرير أجفاني لم أتضجر من ذلك السهد، بل كانت مقلتاي تستلذانه، فكانت أفكاري ترفرف في جو الخيال فتعلو تارة وتهبط أخرى، وهي مجنحة بأجنحة من تذكار إيفون.
تصفحت سفر مخيلتي مرارا عديدة لأرى رسم إيفون، ورددت ما انطبع فيه من حالاتهما في حادثة الجيزة، وتمثلت جلستها إلى مائدة الشراب ويدها تتناول الكأس، وشفتيها تترشفانه ومنديلها يلثم ثغرها ويمتص السائل عن شفتيها، وتخيلت رزانتها بين الماجنين وغليان غيظها، وحلمها يبرده، ثم تصورت أزيزه وفورانه حتى كاد ينفض غطاء الكظم عن مرجل الغضب.
استعرضت في مخيلتي سيناماتوغراف هذه الحوادث مرارا، فكنت دائما أتمثل إيفون فيها ملكة بلا تاج وملاكا بلا جناحين.
كلما تصورتها مومسا قام ضميري يغالطني في هذا التصور؛ لأن مظاهرها العرضية والجوهرية كانت تختلف بعض الاختلاف عن مظاهر المومسات، كان ثوبها بسيط الزي ولكنه نفيس جدا وحلاها قليلة، ولكنها ثمينة ومركبتها فخمة جدا كمركبات العظماء.
تراءت لي إيفون حينئذ سامية المقام عزيزة الجانب شماء النفس شريفة العواطف الخلق طاهرة القلب، اعتقدت حينئذ أنها تتصف بكل هذه المحامد لماذا؟ لأني لم أكن أعرفها ولا أعرف عنها شيئا، فتأملت مظهرها في قهوة الجيزة، فكان يروي هذه المعاني.
لا يقع نظرك على شخص لأول مرة إلا ينطبع في ذهنك رسم لأخلاقه منسوخ عن ملامحه، ولا يندر أن تجده بعد الاختبار مطابقا أو مقاربا لرسمه الأول الذي انطبع في ذهنك.
ظهرت لي إيفون بعدئذ أسمى مما تخيلتها، شغلت بالي معظم الليل؛ لأنها ملأت قلبي، كانت تحدثني نفسي بأن أكون عشيقها وكان الأمل يصور لي وجودي بقربها متنعما بهواها متمتعا برضاها، ثم لا ألبث أن أكشف عن رسمها في ذهني فأرى عظمتها، وأشعر بجلالها فأتوهمها أسمى من أن تعبأ بمثلي.
لماذا؟
نامعلوم صفحہ