والسلام: «الحمد رأس الشكر ما شكر الله من لم يحمده». والذم نقيض الحمد والكفران نقيض الشكر ورفعه بالابتداء وخبره لله، وأصله النصب. وقد قرىء به، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته دون تجدده وحدوثه، وهو من المصادر التي رأس الشكر» يدل على أن الحمد جزء من الشكر غير محمول عليه فلا يتصور التصادق والعموم من وجه بينهما، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام: «ما شكر الله عبد لم يحمده» فإنه يدل على أن انتفاء الحمد يستلزم انتفاء الشكر وينافي أن تكون النسبة بينهما العموم من وجه ضرورة أن انتفاء الأعم من وجه لا يستلزم انتفاء الأخص من وجه، فينبغي أن يكون الحمد أعم مطلقا من الشكر أو مساويا له. ومحصول الجواب أن ما ذكر من السؤال إنما يرد على تقدير أن يكون المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: «رأس الشكر» إنه جزء من الشكر حقيقة وليس كذلك بل هو كلام ادعائي وارد على طريق التشبيه البليغ وذلك أن الحمد الذي هو من شعب الشكر باعتبار وقوعه في مقابلة النعمة لما كان في مقابلة النعمة من أجل أقسام الشكر وأدلها على القدر الذي هو مناط تحقق الشكر صار بذلك كأنه جزء من الشكر بل أجل أجزائه حتى إذا فقد كان ما عداه من أقسام الشكر بمنزلة العدم.
قوله: (والذم نقيض الحمد) أي مقابل له وذلك لما مر من أن الحمد هو الثناء بذكر المحاسن فيقابل الذم الذي هو ذكر القبائح، وكذا الكفران نقيض الشكر في مقابله لأن الشكر هو إظهار النعمة بإتيان الفعل الدال على تعظيم المنعم فيقابله الكفران الذي هو ستر النعمة واحتقارها بإتيان ما يضاد تعظيم منعمها إما باللسان أو بالجنان أو بالجوارح كما في الشكر بعد أن يكون إتيان ذلك بمقابلة النعمة. قوله: (ورفعه بالابتداء) ذكره مع ظهوره ليفرع عليه قوله: «وأصله النصب» أي بإضمار فعل تقديره نحمد الحمد لله ليوافق قوله: إياك نعبد في كون الجملة فعليه، فالنون فيها نون جماعة المتكلمين لأنه مقول على ألسنة العباد لا للتعظيم لأن المقام ليس مقام التعظيم بل إظهار العبودية والتذلل والاستعانة. قوله: (وقد قرىء) أي قرىء شاذا بنصب الدال من الحمد على أنه مفعول مطلقا حذف عامله وناب المصدر منا به كما في قوله: حمدا وشكرا. ويحتمل أن يكون انتصابه على أنه مفعول به أي أقرأ الحمد وأتلو الحمد، والأول أولى لأنه حينئذ تتحقق الدلالة اللفظية على المحذوف.
وقراءة الرفع أولى من قراءة النصب، لأن الرفع من باب المصادر التي هي أصلها النيابة عن أفعالها يدل على الثبوت والاستقرار بخلاف النصب فإنه يدل على التجدد والحدوث المستفاد من عامله الذي هو الفعل فإنه موضوع للدلالة عليه بخلاف الجملة الإسمية فإنها موضوعة للدلالة على مجرد الثبوت العاري عن قيد التجدد والحدوث، فناسب أن يقصد بها الدوام والثبات بقرينة المقام ومعونته. فإن قيل: قد تقرر في موضعه أن الجملة الإسمية إنما تفيد
صفحہ 64