تفسد به الصلاة ولا ينعقد به صريح اليمين. وقد جاء لضرورة الشعر:
ألا لا بارك الله في سهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال
والرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم ومن المعلوم أن لكل ينتفي بانتفاء جزئه أي جزء كان فمن حذف الألف الواقعة قبل هاء لفظ الجلالة في بسملة الفاتحة تفسد صلاته لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بالفاتحة».
فقراءتها في الصلاة فرض عند الإمام الشافعي فإنه ذهب إلى أن من ترك حرفا واحدا من الفاتحة وهو يحسنها لم تصح صلاته، وأيضا من حذف الألف في اليمين بالله وقال عند الحلف: بله لا تنعقد يمينه إلا أن يتقي به اليمين. واليمين الصريح ما ينعقد يمينا وإن لم ينو ذلك لأن كونه يمينا صريحا موقوف على وجود لفظ الجلالة مصدرا بباء القسم ولم يوجد ذلك بحذف ألفه لأن انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل بل هو عين انتفاء الكل. وإنما قال:
«صريح اليمين» لأنه ينعقد به اليمين إن نوى به الحلف ظهر أنه من تلفظ بلفظ الجلالة بلا ألف لحن في تلفظه، والاستشهاد على حذف ألف الجلالة بالبيت المذكور إنما هو باللفظ الأول من لفظي الجلالة فيه. ومعنى البيت الدعاء على رجل يسمى بسهيل بعدم البركة فيه وهي النماء والزيادة. قوله: (والرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة) أراد بالاسم ههنا ما يقابل الفعل والحرف فلا ينافي وصفتيهما فإنهما صفتان مشبهتان مبنيتان من رحم، فإن قلت:
الصفة المشبهة لا تبنى إلا من فعل لازم فكيف اشتقاقهما من رحم وهو متعد؟ أجيب عنه بأن الفعل المتعدي قد يجعل لازما بمنزلة الفعل الغريزي فينقل إلى فعل بضم العين ثم تشتق منه الصفة المشبهة. ذكره السكاكي في تصريف المفتاح، وذكره صاحب الكشاف في الفائق في فقير ورفيع ألا يرى أن رفيع الدرجات معناه رفيه درجاته لا رافع للدرجات، وكذا الرب والملك فإنهما صفتان مشبهتان بناء على تنزيل فعلهما منزلة اللازم بنقله إلى فعل. والرحيم إن جعل صيغة مبالغة كما نص عليه سيبويه في قولهم: هو رحيم فلانا فلا إشكال فيه، وإن جعل صفة مشبهة كالرحمن فالوجه ما ذكر. قوله: (والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان) الانعطاف الميل. والمراد ههنا الميل النفساني وهو الشفقة والرقة التي هي من الكيفيات الانفعالية التابعة للمزاج الجسماني والله تعالى منزه عن ذلك لكونه مقتضيا للإمكان فينبغي أن لا يصح توصيفه تعالى بالرحمن الرحيم والرؤوف والعطوف والغضب ونحوها مما يقتضي مبدؤها أن يكون المتصف به منفعلا انفعالا نفسانيا ومتكيفا بالكيفيات النفسانية المستحيلة في حقه تعالى إلا أنه تعالى يوصف بذلك باعتبار غايات مأخذها، فإن أسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال وآثار يصح صدورها
صفحہ 55