285

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

المعترف بجهله، فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر. وإنما فصلت الآية بلا يعلمون والتي قبلها بلا يشعرون لأنه أكثر طباقا لذكر السفه ولأن الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وتفكر. وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم.

قوله: (فإنه ربما يعذر) أي الجاهل المتوقف المعترف بجهله ربما يعذر بسبب اعترافه بجهله واستعداده لقبول الحق وانتفاعه بالآيات والنذر، كما يعذر المؤمن المعترف بذنبه لذلك بخلاف الجاهل الجازم بغير الواقع فإنه مع كونه مبطلا في جزمه آب عن قبول الحق دافع إياه. قوله: (وإنما فصلت الآية) التفصيل ههنا مأخوذ من الفاصلة كالتقفية من القافية، يقال:

فصلت بكذا أي جعل هذا فاصلتها. وإنما جعل قوله تعالى: لا يعلمون فاصلة هذه الآية وجعل قوله: لا يشعرون فاصلة الآية المتقدمة لأن العلم أكثر طباقا للسفه بالنسبة إلى طباق الشعور له. والطباق المطابقة وهي الجمع بين الضدين أي بين المعنيين اللذين بينهما تقابل وتناف في الجملة، أي بأي وجه كان كالجمع بين السفة والعلم فإن السفه لا يخلو عن الجهل بل هو مستلزم له فكأنه هو فذكر العلم معه يكون جمعا بين المتضادين. وإنما قال:

«أكثر» لأن نفي الشعور وهو الإدراك بالحواس من حيث إنه يستلزم نفي العلم والتعقل لأن فاقد الحس فاقد للعلم فلا يكون نفي الشعور خاليا عن الطباق لذكر السفه، إلا أن لا يعلمون أكثر طباقا له بالنسبة إلى قوله: لا يشعرون وهذا الوجه مبني على أن يعتبر مجامعة السفه للعلم المنفي فإن المنفي مقابل للجهل الذي تضمنه السفه، وأما إذا اعتبر مجامعته مع نفي العلم فلا يكون من قبيل الطباق المصطلح عليه إذ لا تنافي بين نفي العلم وإثبات السفه بل يكون الطباق بمعنى المطابقة اللغوية. قوله: (ولأن الوقوف على أمر الدين الخ) وجه ثان لتخصيص فاصلة لا يشعرون بمقام نفي إدراك المنافقين وأن ما هم عليه محض إفساد، وتخصيص فاصلة لا يعلمون بمقام نفي علمهم بأنهم هم السفهاء. وتقريره أن المقصود في الموضعين نفي الإدراك عن المنافقين بأن حالهم محض الإفساد بقوله:

لا يشعرون والإدراك المتعلق بأن حالهم محض السفاهة بقوله: لا يعلمون للإشارة إلى الفرق بين الإدراكين بالجلاء والخفاء من حيث إن أحدهما إدراك جلي منزل منزلة الإحساس والآخر خفي مفتقر إلى النظر والتفكر. فإن الإدراك المتعلق بأن ما في النفاق من تهييج الحروب والفتن ومعاداة من دعاهم إلى الصراط المستقيم المؤدي إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد إفساد محض لا يشوبه شيء من الإصلاح إدراك جلي منزل منزلة الاحساس، وإن كان المعلوم المدرك به أمرا معقولا مدركا بالقوة العاقلة فناسب أن ينفي هذا الإدراك بأن يقال «لا يشعرون» تنبيها على أنه علم ضروري جار مجرى الإحساس بالحس الحيواني

صفحہ 291