284

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

لتحقير شأنهم، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنه موالى كصهيب وبلال، أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه والسفه خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل والحلم يقابله.

ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) رد ومبالغة في تجهيلهم فإن الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم دلالة وأتم جهالة من المتوقف أمرين: الأول أنهم لغاية جهلهم وكفرهم الصريح وإخلالهم بالنظر الصحيح اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق وأن ما عداه باطل لا يقبله إلا السفيه الفاسد. الرأي الثاني أنهم كانوا أصحاب رياسة ويسار وكان أكثر المؤمنين فقيرا قليل الاتباع وبعضهم موالي أي عبيد عتقاء فسموهم سفهاء تحقيرا لشأنهم. وهذا الوجهان إنما يتجهان على كون اللام في السفهاء للجنس بأسره أو للعهد، وكان المعهود الناس الذي أريد به الجنس أو المعهودون الذين هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أما إذا كان اللام في السفهاء للعهد وكان المعهود الناس الذين أريد بهم من آمن من أهل جلدتهم كعبد الله بن سلام وأصحابه فتسفيههم إياهم لا يكون لما ذكر من الأمرين اللذين أحدهما: زعمهم بأن ما هم في هو الحق وأن ما عليه المؤمنون باطل وإنما تدينوا به لفساد رأيهم، وثانيهما تحقيرهم شأنهم لفقرهم وقلة اتباعهم لانتفاء الأمرين جميعا في حق من آمن من أهل جلدتهم عند المنافقين لعلمهم بأن هؤلاء المعهودين من فساد الرأي واستحقاق التحقير بمعزل بل يكون تسفيههم إياهم للتجلد وعدم المبالاة بهم. فإن إسلامهم لما غاظ المنافقين وكسر قوتهم وتوقعوا بذلك شماتة المؤمنين بهم قالوا ذلك على سبيل التجلد وعدم المبالاة بهم وتوقيا من شماتة المؤمنين بهم. والسخافة الرقة والضعف، يقال: ثوب سخيف أي ضعيف القوام عديم الصلابة والاستمساك. والحلم بالكسر الأناة وهي الوقار.

قوله: (رد ومبالغة في تجهيلهم) يعني أن قوله تعالى: ألا إنهم هم السفهاء رد نسبتهم المؤمنين إلى السفه أبلغ رد وقد مر ما فيه من طرق الدلالة على الأبليغة في الآية السابقة. وقوله تعالى: ولكن لا يعلمون مبالغة في تجهيلهم. وبين وجه ذلك بقوله: «فإن الجاهل بجهله» والباء في قوله: «بجهله» متعلقة بالجاهل و «الجازم» صفة الجاهل. يعني أن الجاهل جهلا مركبا أشد ضلالة من الجهل جهلا بسيطا فإن جهل الأول مركب من جهلين بخلاف جهل الثاني فإنه بسيط قال الشاعر:

جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... وذاك لعمري من تمام الجهالة

صفحہ 290