وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧]، وقد أمروا أن يقولوا في الصلاة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمت َعَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين﴾ [الفاتحة: ٦، ٧] .
فصل
وقد ظن طائفة أن في الآية إشكالا، أو تناقضًا في الظاهر، حيث قال: ﴿كٍلَِ مٌَنً عٌندٌ بلَّهٌ﴾ ثم فرق بين الحسنات والسيئات، فقال: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] .
وهذا من قلة فهمهم، وعدم تدبرهم الآية، وليس في الآية تناقض، لا في ظاهرها، ولا في باطنها، لا في لفظها ولا معناها؛ فإنه ذكر عن المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، الناكصين عن الجهاد، ما ذكره بقوله: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، هذا يقولونه لرسول الله ﷺ، أي: بسبب ما أمرتنا به من دينك، والرجوع عما كنا عليه، أصابتنا هذه السيئات؛ لأنك أمرتنا بما أوجبها. فالسيئات هي المصائب، والأعمال التي ظنوا أنها سبب المصائب هو أمرهم بها.
وقولهم: ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ تتناول مصائب الجهاد التي توجب الهزيمة؛ لأنه أمرهم بالجهاد، وتتناول أيضا مصائب الرزق على جهة التشاؤم، والتطير، أي: هذا عقوبة لنا بسبب دينك، كما كان قوم فرعون يتطيرون بموسى وبمن معه،
1 / 32