السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال، بل في الجزاء. وقوله بعد هذا: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ و﴿مِن سَيِّئَةٍ﴾ [النساء: ٧٩] مثل قوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ وقوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] .
الثالث: أن الآية أريد بها: النعم والمصائب كما تقدم وليس للقدرية المجبرة أن تحتج بهذه الآية على نفى أعمالهم التي استحقوا بها العقاب؛ فإن قوله: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ هو النعم والمصائب؛ ولأن قوله: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، حجة عليهم، وبيان أن الإنسان هو فاعل السيئات، وأنه يستحق عليها العقاب. والله ينعم عليه بالحسنات عملها وجزائها فإنه إذا كان ما أصابهم من حسنة فهو من الله؛ فالنعم من الله، سواء كانت ابتداء أو كانت جزاء. وإذا كانت جزاء وهى من الله فالعمل الصالح الذي كان سببها هو أيضًا من الله، أنعم بهما الله على العبد.
وإلا فلو كان هو من نفسه كما كانت السيئات من نفسه لكان كل ذلك من نفسه، والله تعالى قد فرق بين نوعين في الكتاب والسنة، كما في الحديث الصحيح الإلهي عن الله: " يا عبادى، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أُوفِّيكُمْ إياها، فمن وَجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ إني هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ [هود: ١٠١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ [الزخرف: ٧٦]، وقال تعالى: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥]،
1 / 31