وكانت جواري الرشيد فيما يقولون تبلغ نحو ألفي جارية مختلفة الأجناس ... منهن الروميات، والسنديات، والفارسيات، وقد قال خبير بالرقيق وأنواعه: إن لكل نوع من أنواع الرقيق ميزات خاصة يعرف بها، فالهنديات وديعات لينات الجانب، هادئات قادرات على حسن ورعاية الطفل، ولكن سرعان ما يعرض لهن الذبول، واشتهرت السنديات بالخصر النحيف، والشعر الطويل، واشتهرت مولدات المدينة بالدلال، والميل إلى السرور، والفكاهة والمجون، وبحسن الاستعداد للنبوغ في الغناء، وعرفت مولدات مكة بدقة المعصم والمفصل، والعيون الناعسة، وعرفت الإماء البربريات المغربيات بأنهن لا يبارين في حسن الإنتاج، وهن لدماثة خلقهن، ولين عريكتهن صالحات لأن يتعودن القيام بمختلف الأعمال.
والمثل الأعلى للجارية - كما يقول أبو عثمان الدلال - أمة تكون من أصل بربري فارقت بلادها في التاسعة من عمرها، ومكثت ثلاث سنين في المدينة، ومثلها في مكة، ثم رحلت إلى العراق في السادسة عشرة من عمرها لتتثقف بثقافته ... فإذا بيعت في الخامسة والعشرين كانت قد جمعت من جودة الأصل، ودلال المدنيات، ورقة المكيات، وثقافة العراقيات.
والسودانيات كن يغمرن الأسواق، وقد عرفن بقلة الثبات، والإهمال، كما عرفن بالميل إلى الضرب بالدف والرقص، وهن أحسن خلق الله بياض أسنان، ولكن يعاب عليهن نتن الإبط، وخشونة الملمس، والحبشيات عرفن بالضعف والترهل، والاستعداد لمرض الصدر، وهن على عكس السودانيات لا يحسن الغناء ولا الرقص، ولكنهن قويات الخلق موضع للثقة أهل للاعتماد عليهن.
قصر الخلد
ولا يخلو قصر كهذا من العلاقات الغرامية، ولذة الوصال، وألم الخصام، ونحو ذلك من ضروب العواطف؛ حتى ليحكون أن سبب اتصال الرشيد بأبي يوسف أن الرشيد رأى مرة منظرا غراميا لم يعجبه، فاستدعى أبا يوسف لسؤاله: هل على الخليفة إذا رأى هذا المنظر أن يحد الجناة؟ فأفتاه بلا؛ لأن القاضي لا يقضي بعلمه، فسري عن الرشيد، وأجزل لأبي يوسف الصلات، وتوثقت الصلة بينه وبين أبي يوسف من ذلك الحين، حتى عينه قاضي القضاة.
تضيف إلى عظمة قصر الخلد عظمة بغداد؛ فقد كانت مملوءة بالقصور الفخمة، والميادين الفسيحة، والأسواق الحافلة بالدكاكين الممتلئة بالسلع، وكان يأتيها من مصر البلسم، والكتان، والقمح، والنحاس، والذهب، وزمرد النوبة، ويأتيها من الحبشة العاج، ومن الأندلس الحرير، والصيني، والجلود، والأسلحة الصلبة ، ومن اليونان النباتات ذات العطر الطيب، والصمغ، ومن سوريا الزجاج ، والبللور، والأصداف ... •••
ومن بلاد العرب البخور، ومن سوماطرة البخور الجاوى والزعفران والقرفة، ومن جاوى الماس، والعاج، والأخشاب الثمينة، والصندل، ومن خليج فارس اللآلئ، والصدف.
ومن سيلان الياقوت، واللازورد، ومن فارس الأصواف، ومن سيراز الفيروز، والعقيق، والمرجان، ومن أصفهان الأقمشة المختلفة، ومن بخارى الأصواف، والسجاجيد، والأقمشة، ومن مرو الزبرجد، ومن الموصل صفائح الصلب. ومن سمرقند الأطلس، والفضة، والأقمشة الناعمة، ومن الصين الصيني، وحجر الشب، والحرير الخام، والصمغ، ومن التبت المسك، وهذه كلها تحول أحسن ما يرد إلى قصر الخلد، والقصور حوله، وأحيانا كثيرة يسير الشابان هارون الرشيد وجعفر ووراءهما مسرور الخادم متخفين للوقوف، وشراء خير ما في الأسواق ... كما تروي لنا ألف ليلة وليلة. •••
ويقول الاقتصاديون: إن الدينار والدرهم ليس لهما قيمة ذاتية، وإن قيمتهما بقدرتهما الشرائية، وكانت قيمتهما في عهد الرشيد كبيرة لا تقاس بما نحن عليه اليوم؛ فقد عثرت على قائمة بتثمين بعض الأشياء فيها أن الكبش كان يباع بدرهم، والجمل بأربعة دنانير، والتمر ستون رطلا بدرهم، والزيت ستة عشر رطلا بدرهم، والسمن ثمانية أرطال بدرهم، وكان الرجل يعمل في سور بغداد كل يوم بخمس حبات، وكان ينادى على لحم البقر في جبانة كندي تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، والأستاذ البناء بخمس حبات، ومن المعلوم أنه في أيامهم كانت الحبة ثلث درهم، والدانق سدس درهم، والدينار كانت تختلف قيمته تبعا لنقاء فضة الدراهم، أو عدم نقائها؛ فكان يساوي مرة عشرة، ومرة خمسة عشر، ومرة عشرين، وكان مقدار الدينار ذهبا يساوي ستين قرشا مصريا تقريبا ...
ثقافة الرشيد
نامعلوم صفحہ