لهفي على هيلان لو أنه
يرد شيئا فاتنا لهفي
وهذا القصر كأنه مدينة صغيرة له أجنحة متعددة ... هذا جناح للخيزران أم الرشيد بكتبها وغلمانها وجواريها .
وكانت مواكب الأمراء تأتي إلى بابها فنهاها الهادي عن ذلك ، وقال لها: «متى وقف ببابك أمير ضربت عنقه، أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو سبحة؟!» فقامت الخيزران، وهي ما تعقل من الغضب، وقد ذكروا أنها كان لها شأن في الدسيسة التي حيكت حول ابنها الهادي حتى قتل، فلما تولى الرشيد أعاد لها سطوتها وسلطانها.
ولكنها لم تطل مدتها ... فماتت بعد ثلاث سنوات من خلافته، وكان يوم وفاتها يوما ممطرا فمشى الرشيد في جنازتها، وكانت امرأة عاقلة قوية السلطان كبيرة الشخصية تتدخل في شئون الدولة وتسيرها، يعينها على ذلك يحيى البرمكي وأولاده، وقد خاف ابنها الهادي من سطوتها، وتدخلها وشخصيتها، فحجر عليها فكرهته ...
وهذا جناح زبيدة زوج الرشيد، وهي كذلك شخصية قوية خيرة، لها خدمها الخاصون، وغلمانها، وجواريها، وكانت كالخيزران في تدخلها السياسي، غير أنها لم تكن مثلها في دس الدسائس، بل كانت بارة محسنة، تنفق الأموال على الملاجئ والمستشفيات، ومن آثارها الخالدة عين الماء المسماة باسمها، والتي أنشأتها في الحجاز، ومدت بها الماء إلى مكة، ثم كان في حجرها ابنها محمد الأمين.
وهذا جناح علية أخت الرشيد، وكانت شاعرة جميلة مفتنة لها عشاقها، وزوارها، ومجالس أنسها، وسرورها.
وهذا جناح العباسة أخت الرشيد، فتاة جميلة أيضا، شاعرة تحب جعفر البرمكي وتراسله.
وأخيرا جناح الرشيد، وهو أعظم الأجنحة، فيه جواريه الكثيرة، وغلمانه الكثيرون، وأطباؤه، ومضحكوه، ومغنوه إلى آخر ما هنالك.
وعلى الجملة فكان القصر يموج بالفتيان والفتيات، والكبار والصغار ... هذه جارية فارسية تتكلم بالفارسية، وهذه يونانية تتكلم باليونانية، وهذه حبشية تتكلم بالحبشية، وهذه بربرية تتكلم بالبربرية ... إلخ، ثم كانت تموج في القصر تيارات مختلفة ... تيارات سياسية من الخيزران وزبيدة، فالخيزران توالي البرامكة وتؤيدهم، وتكره الفضل بن الربيع وتبعده، وتيار من زبيدة تكره البرامكة وتعاكسهم، وتؤيد الفضل بن الربيع وتقربه، ثم تيارات أخرى غرامية بين شابات القصر وشبانه، والعباسة وعلية، والجواري والغلمان.
نامعلوم صفحہ