وأما الحجة في أن الألوان شيء فنقول: إنا لما رأينا الشعر الأسود في حالة أسود، ثم رأيناه في حالة أبيض، وعينه قائمة، علمنا أن البياض شيء، وأن السواد شيء، وأنهما ضدان، يبطل أحدهما بحضور الآخر، ولا يكون العدم ضدا لغيره يبطله، ولا يكون أيضا العدم يحدث ويبطل، فكذلك البسرة تكون تارة خضراء، وتارة حمراء، وعينها قائمة، فصح أن اللون شيء. ومما يؤيد ذلك قول الله تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لايات للعالمين}[الروم:22]، فذكر أن اللون من آياته، فصح أنه شيء؛ لأنه لا يكون شيء من آيات الله عدما. وأيضا فإن الأمة مجمعة على ذلك، فبطل قولهم: إن الصفة هي الوصف، ولا صفة في الجسم غيره. وثبت أن في الجسم صفة غير حالة فيه غير الوصف. وقال علي بن الحسين عليهما السلام في توحيده: (ضاد الظلمة بالنور، والجلاية بالبهم، والخشونة باللين، والصرد بالحرور).
والدليل على أن اللون يرى بالأعيان أن الأعمى لا يتأتى له أن يصف شيئا بلونه، وكذلك من لا يرى الشيء لا يصفه بلون، ولا يوصل إلى معرفة اللون من طريق السمع، ولا من طريق الشم، ولا من طريق الذوق، ولا من طريق اللمس، فلما لم يكن يوصلنا إلى معرفة اللون من أي هذه الطرق، وكانت تحصل معرفة اللون من طريق النظر؛ علم أنه يرى بالأعيان.
صفحہ 120