فإن قال قائل منهم: إذا كان هذا القرآن هو فعل الله، فأخبرونا عن الصلاة فعل من هي؟ فإن قلتم: هي فعل الله، فكيف يثيب على فعله؟ وأيضا: فقد قال تعالى: {الذين هم في صلاتهم خاشعون }[المؤمنون:2]، فنسبها إلى المؤمنين. وإن قلتم: هي فعلكم وفعل الله، فقد صرتم شركاء لله في فعله. وإن قلتم: هي فعلكم أوجبتم أن القرآن فعلكم. فنقول: الصلاة هي نيتنا وقيامنا وتكبيرنا وقراءتنا وركوعنا وسجودنا وتسبيحنا وتشهدنا وتسليمنا، وليس القرآن في ذاته بصلاة، إذ ليس كل من قرأ القرآن بمصل، فصح أن صلاتنا هي فعلنا ولا يتم فعلنا الذي هو الصلاة إلا بقيامنا بفعل الله وقراءتنا له. كما أن الزكاة فعلنا، ولا تتم إلا بحصول المزكى، وهو من فعل الله، وقد قال تعالى: {والذين هم للزكاة فاعلون }[المؤمنون:4]، فصح أن الزكاة فعلنا، وهي النية وإخراج ما أوجب الله في الأموال، وهو يسمى زكاة على المجاز، وكذلك الصدقة، قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين }[التوبة:60]، فسمى المخرج صدقة ثم قال: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة}[النساء:114]، فبين أن الصدقة هي الإخراج، فصح أن الزكاة هي فعل المزكي على الحقيقة، وأن المخرج يسمى زكاة على المجاز. وقد يوجد في كتاب الله أشياء تسمى بأسماء على الحقيقة، وأشياء تسمى بأسماء على المجاز من ذلك قول الله تعالى: {وقرن في بيوتكن }[الأحزاب:33]، وقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي }[الأحزاب:53]، والبيوت للنبيء على الحقيقة، وبيوت نسائه على المجاز. وكذلك قال عز من قائل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر }[الكهف:79]، فنسبها إليهم. ثم قال تعالى: {وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام }[الرحمن:24]، وقال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض }[آل عمران:109]، وقال تعالى: {أنما أموالكم وأولادكم فتنة } [الأنفال:28]، فالملك لله على الحقيقة، ولأن السيد يملك عبده وما ملك.
ومما يدل على حلول العرض في الجسم أن الحركة والسكون لا يخلو العالم منهما، وهما أكبر الحجج على حدث العالم، فلما ثبت أن الحركة والسكون حالتان قائمتان في العالم صح أن لهما محلا وشبحا. ومما يؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام في الدرة اليتيمة: (كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول). فثبت أن الأعراض خالة في الأجسام، وبطل قولهم: إن العرض لا يحل ولا يحل ولا يوهم.
صفحہ 119