وقال أرسطاطاليس: العالم هيولى قديم. وتفسير الهيولى: هو أصل الأشياء، كما أن القطن أصل الثوب، والهيولى هو المدبر.
واختلف أهل الدهر في ظنونهم. وقالوا: العالم قديم، ودليلهم على أزليته أنهم لا يعاينوا شيئا إلا من شيء. وقالوا: الطائر من البيضة، والبيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، والإنسان من النطفة. وقالوا: لم يزل العالم بصورة قديمة، ومنهم من قال: لا ندري الإنسان كان قبل النطفة، أو النطفة قبل الإنسان؟ ودليلهم: أنهم لم يروا إنسانا إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان.
وقالوا: العالم وما يتولد منه طبع قديم، والصورة قديمة، والخلق كامن فيها، وأنكروا أن يكون كامن غير صورة فتحتاج إلى مصور، وقاسوا العالم بالدولاب.
وكل هذا من ظنونهم وخرصهم، وقد حكى الله قولهم، وذكر أن قولهم ظن، فقال عز من قائل: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون}[الجاثية:24].
والحجة عليهم أن إقرارهم بالكمون، والصورة والدولاب، يلزمهم ويبطل قولهم؛ لأن كمون الصورة في الشيء يدل على الانتقال، والانتقال حركة، والحركة حادثة، فوجب أن تكون الصورة المنتقلة حادثة؛ لأنها لا تتعرى عن الحركة والسكون، وكل ما لا يتعرى من الحوادث محدث، وقد قدمنا الكلام في ذلك. والدولاب أيضا مصنوع بالمشاهدة، فكذلك العالم.
صفحہ 70