لكن أبطل ريبتهم لعجزهم عن أن يأتوا بمثله، أو بسورة مثل سورة منه، أو بعشر سور أو بآية، ولو اجتمعوا مع جميع بنى آدم الأموات، ومن سيوجد مما وجد، ومع الجن كذلك، وقيل المعنى أنه لا يشك فيه أحد من المتقين، بناء على أن للمتقين هو خبر لأمر قوله عز وجل { هدى للمتقين } أى لا ريب للمتقين فيه فيدخل قوله للمتقين فى أعاريب { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } المتقدمة فيكون فيه نعتا لريب، ويكون هدى حالا من الهاء أو خبرها محذوف، أى لا ريب فيه للمتقين هدى للمتقين، فحذف لدلالة قوله للمتقين عليه، والأولى ما تقدم فى قوله جل وعلا { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } والريب الشك، وكان ابن مسعود يقرؤه لا شك فيه، فيحتمل قراءة التلاوة، ويحتمل قراءة التفسير وهو فى الأصل مصدر، من رابك إذا حصل فيك الريبة، وهى قلق النفس واضطرابها، سمى به الشك لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة، ومنه ريب الزمان لنوائبه، وقوله صلى الله عليه وسلم
" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "
لأن الشك ريبة الصدق طمأنينة، ورواه الترمذى وصححه، وقدم الصدق طمأنينة على الشك ريبة، وذلك أن نوائب الزمان وهى حوادثه تقلق النفس وتزعجها، وكذا ما يشك فيه، لأن الشك تساوى الطرفين وتردد النفس بلا ترجيح، فيحصل لها قلق بذلك، والريب أخص من الشك، لأنه شك مع تهمة، والمراد هنا نفى كل من الريب والشك، وخص ذكر الريب نظرا لما عند المرتابين، ومعنى الحديث أترك ما فيه شك منتقلا إلى ما لا شك فيه، فإذا ارتابت نفسك فى شىء فاتركه، وإذا اطمأنت فى شىء فافعله، فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق وترتاب من الكذب، وهذا مخصوص بذوى النفوس الشريفة القدسية الطاهرة، وقال الترمذى فى ذلك الحديث إنه حسن صحيح، ولكن فى سنده أبو الجوز وهو رواية عن الحسن، وتوقف فيه أحمد، وقال بعضهم إنه مجهول لا يعرف، وروى الحديث أيضا النسائى وابن حبان وقالا إن أبا الجوز ثقة، ولفظ ابن حبان فإن الخير طمأنينة والشر ريبة، ورواه الحاكم أيضا، والذى أراه للترمذى، وأن الكذب ريبة، وراوى الحديث هو الحسن بن على ابن أبى طالب، ورواه أحمد أيضا عن أنس، وروى الطبرانى مرفوعا عن ابن عمر، وليس كما قال الدارقطنى أن هذا من كلام ابن عمر، وأنه يروى أيضا من كلام مالك، وروى الدارقطنى بإسناد ضعيف عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال لرجل
" " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " قال وكيف لى العلم بذلك؟، قال " إذا أردت أمرا فضع يدك على صدرك فإن القلب يضطرب للحرام ويسكن للحلال، وأن المسلم الورع يدع الصغيرة مخافة الكبيرة " "
زاد الطبرانى قيل له فمن الورع؟ قال الذى يقف عن الشبهة. والهدى الإرشاد والبيان، والدلالة، وخص المتقين به لأنهم المرتشدون بارشاده والمبينون ببيانه، بخلاف غيرهم، فإنه إرشاد وبيان ودلالة لهم أيضا، لكن لا يقتدون بإرشاده وبيانه ودلالته، ويجوز أن يكون المراد بالهدى الإيصال إلى المقصود والتوفيق إليه. لا مطلق الإرشاد والبيان والدلالة إليه، فإنه يرد فى كلام العرب على وجهين، ومن الثانى قوله عز وجل
إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء
وقوله عز وجل
لعلى هدى أو فى ضلال مبين
بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - يبين الحق لكل أحد، إنما نفى عنه أن يكون الإيصال إلى المقصود والتوفيق إليه لمن أحب بيده، وبدليل مقابلة الهدى بالضلال، ومن الأول
فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
نامعلوم صفحہ