الخادم يفزع من غضب سيده إذا صاح به الصيحة فيستطار لها، ولكن المطمئن المفكر إذا دارت في مسمعه هذه الصيحة أصغى منها لنغمة موسيقية تلبس معنى نفسيا خاصا لا جمال له إلا في الغضب؛ فاطمئن أيها الإنسان قبل أن تستطلع جمال الطبيعة وتأملها بالعين التي لم تستحل من فكرك المادي إلى ذاكرة فليس فيها إلا النظر البحت تصبه النفس من شعاعها؛ فإنك حينئذ تشهد الطبيعة كلها في نفسك على النحو الذي يريك هذه السماء كلها في النهر الصافي، وتحس من السرور والابتهاج والعظمة كأن هذا الفكر الإلهي الكبير الذي نسميه الطبيعة قد شملك أو اشتملت عليه فيوحي إليك أنك مخلوق لغرض أسمى من تلويث الأرض بفضلات أمعائك. ومناوأة الناس فيما لا حقيقة له إلا إيجاد هذه الفضلات وإخراجها، وإن كانت هذه الحقيقة القذرة من كثرة ما يسترها الإنسان به من الأسباب المختلفة كالفضلات نفسها في جوف هذا الجسم الحي.
حينئذ وقد فاض الجمال على نفسك ترى أنك أنت أصبحت قطعة من هذا الجمال، وأنه لم يكن يحول بينك وبين الاتحاد به إلا نفسك التي غيرتها أوهامك حتى لم تعد نفسا من صنعة الله بل من صنعتك وصنعة الحوادث، وحتى صارت كأنها كتلة شر تفضل الحيوان الأعجم بالحيلة العاقلة ويفضلها بالحول الطائل فيما عدا ذلك مما هو من طبع النفس الحيوانية.
فلولا النفوس التي تدرك قيمة الجمال ما وجدت على الأرض نفوس تدرك قيمة الخير؛ وهل هذا الخير إلا بعض جمال النفس؟
لله أنت أيتها الطبيعة الجميلة، ولله جمالك الفتان الذي يترك من حسنة بقية في كل عين تحدق إليه فتجعل كل شيء تصادفه جميلا، كما يثبت المرء عينه في ساطع من النور هنيهة ثم يلتفت يمنة ويسرة فإذا كل شيء فيه شعاع من ذلك النور.
ولله ابتسامك الذي ترتوي منه النفوس ويخلق منه الحب والخير، وأراه في كل زهرة تفوح، وفي كل نجم يلوح، وفي هذا القمر الذي يتصبى الروح كأنه طلعة حبيبة الروح؛ وأراه في غير ذلك من صفات الجمال التي تفيض عليها هذه النعمة السماوية لتنطق منها بأبلغ ما تفهمه النفوس من المعاني كما تنطق الحسناء حين تبتسم وهي لم تتكلم.
ولكن آه أيها القمر! إن لهذا الابتسام روحا هي الخالص النقي منه، بل الذي لا يقال في غيره خالص أو نقي، فإذا أردت أن تشهد روح الابتسام يتلألأ في غرتك فانظر إلى تلك التي لم تلبس من حريرك الأبيض غانية أجمل منها في ليلة من ليالي الحب، وتأمل بربك أيها القمر كيف تتحرك بروح الابتسام في شفتيها الرقيقتين حياة الهوى.
الفصل السابع
ذلك ابتسام الطبيعة يا لؤلؤة ثغرها التي يسمونها القمر، وذلك جمالها الفتان الذي خلقت المرأة لتصفه وتدل عليه فلها بها الناس وسحرت أعينهم حتى لم ينظروا إليه وإليها إلا على أنه مخلوق ليصفها ويدل عليها؛ فتصغر الطبيعة ما تصغر عند بعضهم وتكبر ما تكبر عند الآخرين، ولا تكون في الحالين أصغر ولا أكبر من امرأة جميلة.
وأي أمر غمة
1
نامعلوم صفحہ