المكاري :
ركب معي من جهة «الإمام».
الباشا للبوليس :
ما هذا الإبطاء في تنفيذ أمري! أسرع به إلى السجن.
البوليس (ضاحكا هازئا) :
أظنك أيها الرجل من «مجاذيب الحضرة» في «الإمام» هلم معي إلى القسم، فإن هيئتك تنبئ عن إفلاسك وعجزك عن دفع الأجرة.
قال عيسى بن هشام: وجذب الشرطي صاحبي من ذراعه، فكاد يغمى عليه من الدهشة فلم يدر ما يصنع، وأودع البوليس ما كان في يديه من الفاكهة وغيرها عند الرجل الذي أودع المكاري حماره عنده، وسار صاحبي مسحوبا بذراع الشرطي، والمكاري خلفهما ، والجمع على أثرهم إلى «القسم»، فلما وصلوا إليه وصعدوا السلم بدأ المكاري يصرخ ويصيح، فقابله أحد عساكر «المراسلة» فضربه ليسكته؛ لأن «حضرة المعاون» غريق في نومه، فدخلنا جميعا في حجرة «الصول» لضبط الواقعة فوجدناه يأكل والقلم في أذنه وقد نزع «طربوشه» وخلع نعليه وحل أزرار ثيابه. وبجانبه اثنان من الفلاحين، أظنهما من أقربائه، يشاهدان ما يتمتع به من لذة الأمر والنهي وسعة سلطانه على الكبير والصغير في عاصمة القطر وقاعدة الملك، وما في قدرته من حبس أي شخص كائنا من كان وشهادته عليه بما يجري في هواه، فطردنا جميعا من الحجرة حتى ينتهي من طعامه، فخرجنا ننتظر، وأراد الباشا أن يستند على الجدار من شدة ما ألم به من الحزن فخانته يده فسقط فوق جندي كان يكنس الأرض هناك، فأخذ الجندي في السب والشتم ودخل إلى حجرة «الصول» هاجما فقال له: إن المتهم الذي يشتكي منه المكاري تعدى علي «في أثناء تأدية وظيفتي» فضربني بكل جسمه، فأمر «الصول» بإحضاره ونادى كاتبه العسكري، فطلب منه أن يحرر «محضرين» محضر مخالفة ومحضر جنحة، وأملى عليه كلاما مصطلحا عليه لم أفهم منه حرفا، وبعد أن شهد «البوليس» الذي جئنا معه في محضر المخالفة بما ينفع المكاري في تأييد دعواه، وشهد «الصول» نفسه في محضر الجنحة بأنه شاهد المتهم يتعدى على أحد عساكر القسم في أثناء تأدية وظيفته، ختم المحضرين وأمر بالمتهم أن يؤخذ إلى «خشبة المقاس» وتحرير «ورقة التشبيه»، فجاء العسكري صاحب الدعوى وأخذ بيمين صاحبي وأجرى ذلك عليه بنفسه وأذاقه أنواعا من الأذى في مقاسه، كل هذا والباشا كالمغشي عليه من الدهشة والذهول، حتى إذا أفاق من غشيته التفت إلي يقول:
الباشا :
أنا لا أتصور في هذه الحالة التي أنا عليها إلا أن يكون اليوم يوم حشر، أو أن أكون حالما في المنام، أو أن يكون الداوري الأعظم غضب علي غضبا شديدا فأمر بإهانتي على هذه الصورة الشنيعة.
عيسى بن هشام :
نامعلوم صفحہ