) الجواب (أنه لا شبهة في أن الطرد عن مثل ذلك في كل مكان قبيح وهو في المسجد أقبح وقل من يفعله لكن قبح ذلك إنما يسلم أن لو كان رغبة عن أن يشارك المطرود الجماعة في القراءة أو كراهة أن يصغي إليها وليس كذلك بدليل أنه لو قرأ نحو ما يقرءون أو القرآن كله لا معهم أو لو أصغى إليهم غير جالس في حلقتهم ولا مطلع على ما يقع منهم لم يمنعوه بل ذلك الطرد يحتمل أن يكون لكراهة أن يطلع على ما يقع منهم حيث أنهم ترد على بعضهم واردات لا يتحملها فيصعق منها أو يعتريه ما يغير هيئته ويهول رؤيته. ويشوق خلقته. ويخرج عن الانتظام حركته. فربما يفضي ذلك إلى سخرية من حضرهم وليس منهم واستهزائه واستخفافه بهم. حتى أنهم متى أمنوا من حضور الأجنبي نحو ذلك لم يمنعوه ولو دخل عليهم في بيوتهم فضلًا عن كونهم في المسجد وذلك بأن يكون صالحًا عارفًا بأحول السالكين عاذرًا لهم فيما يصدر عنهم عند تلاطم أمواج الواردات عليهم ولا أظن أن في الطرد لهذا الغرض بأسًا أو في إباحته لهذا المقصد التباسًا ويحتمل أن يكون لأن الأجنبي قد يكون منكرًا منتقدًا لا مسلمًا معتقدًا فيكون حضوره حسبما جربوه مانعًا من الرقة والفيض وحصول الجمعية لمكان انعكاس حال الجليس على جليسه وأن البياض قليل الحمل للدنس ولا تكاد تطيب أنفسهم ببعد ما عن محبوبهم وإن ترتب عليه قرب ما للأجنبي منه ودرء المفاسد أولى كما قالوا من جلب المنافع فلا يرد أنه كما يخشى انعكاس حاله عليهم يرجى انعكاس حالهم عليه فتأمل وقد حكي أن الجنيد قدس سره وهو من تعلم جمع أصحابه في خلوة عن الأغيار فاشتغلوا بالذكر والفكر فلم يحصل لهم ما عودوه فقال انظروا هل فيكم أجنبي حرمتم الفيض بسببه فنظروا فقالوا لا فقال انظروا هل تجدون شيئًا من آثاره فنظروا فوجدوا نعلًا لمنكر فقال قدس سره من هنا أوتيتم فانظر إذا كان هذا حال نعل المنكر فكيف هو لو حضر بلحيته. وزاحم أهل الحلقة بفقحته. وحاصل الأول أن الطرد لمصلحة المطرود وحاصل الثاني أنه لمصلحة الطارد كمنع قارئ يشوش على مصل مثلًا وحاصلهما أنه ليس رغبة في أن لا يحصل له ثواب قراءة أو استماع وربما يستأنس في هذا المقام بما روي في الحديث الصحيح أخرج الحاكم في مستدركه عن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال أنا لعند رسول الله ﷺ إذ قال هل فيكم غريب يعني أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال ارفعوا أيديكم فقولوا) لا إله إلا الله (فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله ﷺ يده ثم قال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ثم قال ابشروا فإن الله قد غفر لكم. وكذا بما صح من رواية مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دخل الكعبة فأغلقها عليه الحديث قال النووي عليه الرحمة إنما أغلقها عليه ﷺ ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا أو يزدحموا فينا لهم ضرر فيتشوش عليه الحال بسبب لغطهم انتهى. وقد كان معه عليه الصلوة والسلام أسامة وبلال رضي الله تعالى عنهما فلا تغفل ثم أن تفسير الغريب في الخبر السابق بأهل الكتاب غير متعين كما لا يخفى على المنصف من ذوي الألباب فتأمل. هذا نهاية ما عندي في الجواب. مما لم أجده لعمرك في كتاب فإن حصل به الإقناع فذاك وإلا فاطلب نار فكرة وقادة فلعلك تجد على النار هداك ثم اعلم أنه يقال نحو ذلك في طردهم الأجنبي عن جمعيتهم للتوجه المعروف فيما بينهم ورابطتهم على الطرد هناك أقوى من رابطتهم على الطرد في ختم الخواجكان. وبالجملة إياك ثم إياك من الإنكار عن هوى على ذوي العرفان.
الثالث عشر: ما الحكم في نهي فضلاء الزمان عن أكل طعام أهل الكتاب ويقولون أن يقسي القلب ويظلمه وهذا تحريم أو ارتكاب بدعة مذمومة بمقتضى قول شارح العباب واجتناب طعام أولي الكتاب بدعة مذمومة انتهى.
1 / 40