وإن كان) لا تحزن (فيقال لا يخلو أما أن يكون الحزن طاعة أو معصية لا جائز أن يكون طاعة وإلا لما نهى عنه ﷺ فتعين أن يكون معصية لمكان النهي وذلك مثبت خلاف مقصودكم على أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه) وإن كان إن الله معنا (فيحتمل أن يكون المراد إثبات معية الله تعالى الخاصة له ﷺ وحده لكن أتى بنا سدًا لباب ألا يحاش ونظير ذلك الإتيان بأوفى قوله تعالى) وإنا وإياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين (وإن كان) فأنزل الله سكينته عليه (فالضمير فيه للنبي ﷺ لئلا يلزم تفكيك الضمائر وحينئذ يكون في تخصيصه عليه الصلوة والسلام بالسكينة هنا مع عدم التخصيص في قوله) فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (إشارة إلى ضد ما ادعيتموه. وإن كان ما دلت عليه الآية من خروجه مع رسول الله ﷺ في ذلك الوقت فهو عليه الصلوة والسلام لم يخرجه معه إلا حذرًا من كيده لو بقي مع المشركين بمكة وفي كون المجهز لهم بشراء الإبل عليًا كرم الله تعالى وجهه إشارة لذلك وإن كان شيئًا وراء ذلك فبينوه لنتكلم عليه انتهى كلامهم) ولعمري (أنه أشبه شيء بهذيان المحموم أو عربدة السكران ولولا أن الله سبحانه حكى في كتابه الجليل عن اليهود والنصارى ما هو مثل ذلك ورده رحمة بضعفاء المؤمنين ما كنا نفتح في رده فمًا أو نجري في ميدان تزييفه قلمًا) لكني لذلك أقول (لا يخفى أن ثاني اثنين وكذا إذ هما في الغار إنما يدلان بمعونة المقام على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ولا ندعي دلالتهما مطلقًا ومعونة المقام أظهر من نار على علم ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانيًا باختياره لآخر ولا معه في مكان إذا فرض عدو ما لم يكن معولًا عليه ومتحققًا صدقه لديه لا سيما وقد ترك الآخر لأجله أرضًا حلت فيه قوابله وحلت عنه بها تمائمه وفارق أحبابه وجفا أترابه وامتطى غارب سبسب يضل به القطا وتقتصر فيه الخطا) ومما (يدل على فضل تلك الاثنينية قوله ﷺ مسكنًا جاش أبي بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما والصحبة اللغوية وإن لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه بمعونة المقام أيضًا فإضافة صاحب إلى الضمير للعهد أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفو فيه الخليل خليله ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيله) وإن (لا تحزن ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها) وما ذكروه (من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطابًا لموسى وهارون ﵉ لا تخافا إنني معكما (وكذا في قوله سبحانه للنبي ﷺ ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعًا (إلى غير ذلك افترى أن الله سبحانه نهى عن طاعة أو أن أحدًا من أولئك المعصومين ﵈ ارتكب معصية سبحانك هذا بهتان عظيم ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه أنه قد يكون موردًا للمدح والذم كالحزن على فوات طاعة فإنه ممدوح والحزن على فوات معصية فإنه مذموم لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه من ارتكاب الباطل ما فيه) فإإنا (لا نسلم أن الخوف يدل على الجبن وإلا لزم جبن موسى وأخيه هارون ﵉ فما ظنك بالحزن وليس حزن الصديق بأعظم من الاختفاء بالغار ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أو يتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أنصف رأي أن تسليته عليه الصلوة والسلام لأبي بكر بقوله لا تحزن كما سلاه بقوله) لا يحزنك قولهم (مشيرة إلى أن الصديق رضي الله تعالى عنه عنده عليه الصلوة والسلام بمنزلته عنه ربه جل شأنه فهو حبيب له تعالى بل لو قطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه ﷺ كان نفس الخطاب بلا تحزن كافيًا في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله ﷺ وإلا فكيف تكون محاورة الأحباء وهذا ظاهر إلا عند الأعداء. وما ذكر من أن المعية الخاصة كانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وحده والإتيان بنا لسد باب الإيحاش من باب المكابرة الصرفة كما يدل عليه الخبر المار آنفًا على أنه إذا كان إشفاقًا على
1 / 26