فهو الذي اجتهد في طلب الكمال ففاق وقلد بدور الأفضال سائر الأعناق فيا له من مجتهد مقلد ومسددٍ مسدد ما صحب ذا عقل من الوزراء إلا كان مقدم حزبه والمستولي على سمعه وبصره وقلبه كل ذلك لعلو همته ومزيد صدقه في خدمته لا يترك وإن ضاقت لسعة غائلته الأوقات الاشتغال بما عين له من النفي والإثبات ويميل في الاعتقاديات إلى مذهب الحلف وكم له في ذلك الميل من سلف ولا يرى في العمليات غير تقليد الإمام الأعظم وتعظيم سائر أئمة الدين عنده أمر ملتزم فكلهم درر مستجاده إلا أن الإمام الأعظم واسطة المقلادة ولله تعالى در شيخ الإسلام الكاشف بدراري حكمه عن جو سماء الحقيقة الظلام ذي الخلق العطر الندي أحمد عارف حكمت بك أفندي حيث يقول:
إن الأئمة عقد در فاخر ... وأبا حنيفة درة التيجان
بعلومه تزهو الشريعة ما علت ... زهر الربا بشقائق النعمان
ولقد أنصف بقوله دام فاضل فضله:
إن الأئمة كالمناهل في الهدى ... والناس مثل الوارد الظمآن
والنفس إن رويت بأول منهل ... غنيت بلا كره لشرب الثاني
يحيى من الرحمى موات قبورهم ... صوب الغمام بوابل هان
) وأبو هذا المترجم (حفظه الله تعالى من كل ألم كان حسن السياسة ذا عفة وكياسة وكان محبًا للعلماء ومحبوبًا لجميع أهل الزوراء وهو من موالي حضرة الوزير أبي الوزراء سليمان باشا الكبير وليس لأحد على كاهل ولده لواء ولاء لعدم وجود الشرط الذي اعتبره في هذا المقام الفقهاء) وبالجملة (ما أدرك ذو حس مثل هذا الأب والابن وروح القدس غير أن هذا الابن فاق أباه وغدا أعرف في أمور أخراه وأولاه وهو في الدهاء بين كتاب الزمان أشبه رجل بكاتب الوحي معاوية ابن أبي سفيان وبين ما للأمراء من ذوي الاختصاص يحكي داهية العرب عمرو بن العاص فلعمري وعمره هو معاوية هذا الزمان وعمره جعله الله تعالى على المقام وأناله من حسن الآمال غاية المرام.
) واتفق (أن وافقنا في المسير غنيًا عن رفاقه مأمور وأمير شامة وجنة الأحباب حضرة) إقبال الدولة (الشهير بالنواب وهو رجل من ملوك الهند سكن العراق ووافقه صباه وجنوبه غاية الوفاق وعرف الناس وعرفوه وألف الأخيار وألفوه حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب وطبع ألطف من وابل غيث غب الجدب وله مع الأحبة منهاج لا تجد له ولو تتبعت من هاج ومزاج عير أجاج هو لمدام الأنس خير مزاج مع عراقة أصل ورجاحة عقل وكمال فضل يحب بشر أشره العترة الطاهرة وليس له رأس مال سوى ذلك في الآخرة ولا يقبل منقولًا ما لم يكن لديه معقولًا وله نظم في الفارسية الدرية رائق ونثر كالنجوم الدرية فائق والذي أوجب سفره حب رؤية سوق لم يسبق مثله أحدث في لوندره ومن عادته حب رؤية الغرائب ولو صرف لأجلها جل الرغائب على أن ما صرف ولو بلغ حد السرف قل من جل وغيض من فيض فقد يسر الله تعالى له تجارة رابحة وأتاه) من الكنوز ما إن مفاتحه (فليس عليه لأحد سوى الله تعالى منه ولا يرى محنة تعالج بمرهم الدراهم محنة ولقد آنسنا برفاقته لغاية لطفه ونجابته لا زال يسرح في رياض النعم محفوظًا من كل ألم بحرمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
) وعند (ما وضعت رجلي بالركاب وتنادت بالرحيل الأصحاب تشبث بأذيالي عيالي وأطفالي وقالت لا نطيق الفراق ولا نقدر على علاج آلامه ولو جئنا بألف راق ودونك فادفنا أحياء إن لم تجد في هذه الأحياء لداء حاجتنا دواء وجعلت تذري دموعًا حمرًا وتذكي في كانون فؤادي عوفيت جمرًا وكادت تصرخ بالويل وتشق الجيوب إلى الذيل فناديتها ودموعي كدموعها ذواري.
ذريني أن أسير ولا تنوحي ... فإن الشهب أشرفها السواري
فشرعت تخوفني عجزًا وذله ما قد يحدث للغريب من سقام وعله:
فقلت أليس الموت إن لم ألاقه ... أمامي أتتني خيله من ورائيا
فما عذر أهل العجز والكل تابع ... جديسًا وطمسًا والقرون الخواليا
وهل منكر للضيم مات ولم يمت ... رويبضة ما زال بالدار ثاويا
ومن لم يفارق منزل الذل الذي لم يرح ... ويغدو إلا موجع القلب باكيا
ومن يبق في دار الهوان يعش بها ... أخًا مضض لا يبرح الدهر شاكيا
عدمت يميني إن أقمت على القلى ... نعم وتلتها عن قريب شماليا
فلما تحققت أفي لا أحول أنشدت تقول:
1 / 23