قالت: وسيزول بقية الألم متى جلس الخليفة إلى جانبك الليلة وسمعت ضربه على هذا الطنبور، فإننا قد أعددنا لك كل شيء بأمره.
ولم تتم كلامها حتى فاحت رائحة البخور، وسمعت وقع أقدام خفيفة خارج الغرفة، فتحركت في فراشها، فقالت لها العجوز: لا تجزعي يا حبيبتي، إن الخليفة لم يأت بعد، وأما الذي تسمعين وقع أقدامه فهو رجل يحمل البخور، سيضع مبخرته هنا ويعود، فأرخت سلمى خمارها على رأسها ونظرت من خلاله إلى القادم فإذا هو رجل عليه قباء من الأطلس الأحمر وعلى كتفه كساء أصفر مزركش، وعلى رأسه شاش وعلى كتفه الأخرى مخلاة من الحرير الأخضر ملآنة بالعود، وفي يده مبخرة من الذهب الأحمر فيها نار يلقي فيها من العود فيتصاعد منها الدخان حتى ملأ المكان برائحة العود، ثم وضع المبخرة بباب المقصورة وكر راجعا بينما اشتغلت العجوز بوضع الوسائد حول تلك المائدة، وأتت بقوائم من الذهب مغروس في رءوسها وجوانبها شموع فيها الأبيض والأحمر والأخضر، وأوقفتها وسط السماط ولم تشعلها لأن الليل لم يقبل بعد.
كل ذلك وسلمى مستكنة في الفراش غارقة في الأفكار والهواجس، وهي ترجو ألا يحضر مجلسهم تلك الليلة أحد غير يزيد.
ولما غابت الشمس همت العجوز بالشموع فأنارتها فأضاءت الغرفة، ولبثت في انتظار يزيد، وكانت العجوز تتوقع قدومه قبل الغروب، فلما غابت الشمس ولم يأت استبطأته فقالت لسلمى : يظهر أن مولانا الخليفة قد شغل عنا، وأنا لا أظن في الدنيا شيئا يشغله عن هذا المجلس، فأوجست سلمى خيفة من سبب تأخره وحسبت لذلك ألف حساب.
الفصل العاشر
يزيد، وسلمى
ثم سمعتا وقع أقدام يزيد على السلم، قالت العجوز: هو ذا آت والحمد الله، فلما سمعت سلمى ذكره اختلج قلبها في صدرها وتحقق دنو الخطر العظيم، فتجلدت وجلست في الفراش، فقالت لها العجوز: انهضي من الفراش الآن؛ فليس هذا وقته، واجلسي إلى المائدة، ولم تكد سلمى تهم بالجواب حتى دخل يزيد وقد بدل بثيابه ثيابا خفيفة، وعلى رأسه عمامة صغيرة، فلما أقبل على المائدة رأى سلمى لا تزال في الفراش فقال لها وهو يبتسم: لعلك لا تزالين مصدوعة؟
فلما سمعت كلامه تفرست في وجهه فإذا هو قد تغير وعلاه الاضطراب، فانزعجت وحدثتها نفسها أنه يضمر شيئا، وخافت أن يكون قد اطلع على سرها؛ لعلمها بما في نفس شمر بن ذي الجوشن عليها، ولم تر بدا من التجلد والتكلف، وكانت كبيرة العقل قوية الإرادة فتجاهلت ما يبدو على يزيد من القلق وجلست كأنها تتأهب لمسامرته.
أما هو فحالما نظر إليها أشرق وجهه وزال انقباضه وبدا الارتياح على وجهه، وكانت العجوز واقفة بين يديه فقال لها مازحا: تعالي يا عجوز النحس واملئي القدح من هذا الشراب واسقي سلمى؛ فإنه شراب لذيذ.
فملأت العجوز قدحا من شراب أحمر وقالت لها: اشربي، إنه مصنوع من عصير التفاح، فلا تخافي.
نامعلوم صفحہ