فتوحات مکیہ
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
ناشر
دار إحياء التراث العربي
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1418هـ- 1998م
پبلشر کا مقام
لبنان
أليس قد جمع معي صفي أبقاه الله إن وجود قلوبنا في بعض المواطن أكثر من بعض وقد كان رضي الله عنه يترك الخلوة في بيوت المنارة المحروسة الكائنة بشرقي تونس بساحل البحر وينزل إلى الرابطة التي في وسط المقابر بقرب المنارة من جهة بابها وهي تعزى إلى الخضر فسألته عن ذلك فقال إن قلبي أجده هنالك أكثر منه في المنارة وقد وجدت فيها أنا أيضا ما قاله الشيخ وقد علم وليي أبقاه الله أن ذلك من أجل من يعمر ذلك الموضع أما في الحال من الملائكة المكرمين أو من الجن الصادقين وإما من همة من كان يعمره وفقد كبيت أبي يزيد الذي يسمي بيت الأبرار وكزاوية الجنيد بالشونيزية وكمغارة ابن أدهم بالتعن وما كان من أماكن الصالحين الذين فنوا عن هذه الدار وبقيت آثارهم في أماكنهم تنفعل لها القلوب اللطيفة ولهذا يرجع تفاضل المساجد في وجود القلب لا في تضاعف الأجر فقد تجد قلبك في مسجد أكثر مما تجده في غيره من المساجد وذلك ليس للتراب ولكن لمجالسة الأتراب أو هممهم ومن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمساجد فهو صاحب حال لا صاحب مقام ولا أشك كشفا وعلما أنه وإن عمرت الملائكة جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب فإن أعلاهم رتبة وأعظمهم علما ومعرفة عمرة المسجد الحرام وعلى قدر جلساتك يكون وجودك فإنه لهمم الجلساء في قلب الجليس لهم تأثيرا وهممهم على قدر مراتبهم وإن كان من جهة الهمم فقد طاف بهذا البيت مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى الأولياء وما من نبي ولا ولي إلا وله همة متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام لأنه البيت الذي اصطفاه الله على سائر البيوت وله سر الأولية في المعابد كما قال تعالى ' إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ' من كل مخوف إلى غير ذلك من الآيات . فلو رحل الصفي أبقاه الله إلى هذا البلد الحرام الشريف لوجد من المعارف والزيادات ما لم يكن رآه قبل ذلك ولا خطر له بالبال وقد علم رضي الله عنه أن النفس تحشر على صورة علمها والجسم على صورة عمله وصورة العلم والعمل بمكة أتم مما في سواها ولو دخلها صاحب قلب ساعة واحدة لكان له ذلك فكيف إن جاور بها وأقام وأتى فيها بجميع الفرائض والقواعد فلا شك أن مشهده بها يكون أتم وأجلى ومورده أصفى وأعذب وأحلى وإذ وصفي أبقاه الله قد أخبرني أنه ذكرنا ولا شك عندنا إن معرفة هذا الفن أعنى معرفة الأماكن والإحساس بالزيادة والنقص من تمام تمكن معرفة العارف وعلو مقامه وإشرافه على الأشياء وقوة ميزه فالله يكتب لوليي فيها أثرا حسنا ويهبه فيها خيرا طيبا إنه الملي بذلك والقادر عليه اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين أن أكثر العلماء بالله من أهل الكشف والحقائق ليس عندهم علم بسبب بدء العالم إلا تعلق العلم القديم بإيجاده فكون ما علم أنه سيكونه وهنا ينتهي أكثر الناس وأما نحن ومن أطلعه الله على ما أطلعنا عليه فقد وقفنا على أمور أخر غير هذا وذلك أنك إذا نظرت العالم مفصلا بحقائقه ونسبه وجدته محصور الحقائق والنسب معلوم المنازل والرتب متناهي الأجناس بين متماثل ومختلف فإذا وقفت على هذا الأمر علمت أن لهذا سرا لطيفا وأمرا عجيبا لا تدرك حقيقته بدقيق فكر ولا نظر بل بعلم موهوب من علوم الكشف ونتائج المجاهدات المصاحبة للهمم فإن مجاهدة بغير همة غير منتجة شيأ ولا مؤثرة في العلم لكن تؤثر في الحال من رقة وصفاء يجده صاحب المجاهدة فاعلم علمك الله سرائر الحكم ووهبك من جوامع الكلم أن الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة هي المؤثرة في هذا العالم وهي المفاتح الأول التي لا يعلمها إلا هو وإن لكل حقيقة اسما ما يخصها من الأسماء وأعني بالحقيقة حقيقة تجمع جنسا من الحقائق رب تلك الحقيقة ذلك الاسم وتلك الحقيقة عابدته وتحت تكليفه ليس غير ذلك وإن جمع لك شيء ما أشياء كثيرة فليس الأمر على ما توهمته فإنك إن نظرت إلى ذلك الشيء وجدت له من الوجوه ما يقابل به تلك الأسماء التي تدل عليها وهي الحقائق التي ذكرناها مثال ذلك ما ثبت لك في العلم الذي في ظاهر العقول وتحت حكمها في حق موجود ما فرد لا ينقسم مثل الجوهر الفرد الجزء الذي لا ينقسم فإن فيه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهية على عددها فحقيقة إيجاده يطلب الاسم القادر ووجه أحكامه يطلب الاسم العالم ووجه اختصاصه يطلب الاسم المريد ووجه ظهوره يطلب الاسم البصير والرائي إلى غير ذلك فهذا وإن كان فردا فله هذه الوجوه وغيرها مما لم نذكرها ولكل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها وتلك الوجوه هي الحقائق عندنا الثواني والوقوف عليها عسير وتحصيلها من طريق الكشف أعسر واعلم أن الأسماء قد نتركها على كثرتها إذا لحظنا وجوه الطالبين لها من العالم وإذا لم نلحظ ذلك فلنرجع ونلحظ أمهات المطالب التي لا غنى لنا عنها فنعرف إن الأسماء التي الإمهات موقوفة عليها هي أيضا أمهات الأسماء . فيسهل النظر ويكمل الغرض ويتيسر التعدي من هذه الأمهات إلى البنات كما يتيسر رد البنات إلى الأمهات فإذا نظرت الأشياء كلها المعلومة في العالم العلوي والسفلي تجد الأسماء السبعة المعبر عنها بالصفات عند أصحاب علم الكلام تتضمنها وقد ذكرنا هذا في كتابنا الذي سميناه إنشاء الدوائر وليس غرضنا في هذا الكتاب في هذه الأمهات السبعة المعبر عنها بالصفات ولكن قصدنا الأمهات التي لابد لإيجاد العالم منها كما أنا لا نحتاج في دلائل العقول من معرفة الحق سبحانه إلا كونه موجودا عالما مريدا قادرا حيا لا غير وما زاد على هذا فإنما يقتضيه التكليف فمجيء الرسول عليه السلام جعلنا نعرفه متكلما والتكليف جعلنا نعرفه سميعا بصيرا إلى غير ذلك من الأسماء فالذي نحتاج إليه من معرفة الأسماء لوجود العالم وهي أرباب الأسماء وما عداها فسدنة لها كما أن بعض هذه الأرباب سدنة لبعضها فأمهات الأسماء الحي العالم المريد القادر القائل الجواد المقسط وهذه الأسماء بنات الأسمين المدبر والمفصل فالحسي يثبت فهمك بعد وجودك وقبله والعالم يثبت أحكامك في وجودك وقبل وجودك يثبت تقديرك والمريد يثبت اختصاصك والقادر يثبت عدمك والقائل يثبت قدمك والجواد يثبت إيجادك والمقسط يثبت مرتبتك والمرتبة آخر منازل الوجود فهذه حقائق لابد من وجودها فلابد من أسمائها التي هي أربابها فالحي رب الأرباب والمربوبين وهو الإمام ويليه في الرتبة العالم ويلي العالم المريد ويلي المريد القائل ويلي القائل القادر ويلي القادر الجواد وآخرهم المقسط فإنه رب المراتب وهي آخر منازل الوجود وما بقي من الأسماء فتحت طاعة هؤلاء الأسماء الأئمة الأرباب وكان سبب توجه هؤلاء الأسماء إلى الاسم الله في إيجاد العالم بقية الأسماء مع حقائقها أيضا على أن أئمة الأسماء من غير نظر إلى العالم إنما هي أربعة لا غير اسمه الحي والمتكلم والسميع والبصير فإنه إذا سمع كلامه ورأى ذاته فقد كمل وجوده في ذاته من غير نظر إلى العالم ونحن لا نريد من الأسماء إلا ما يقوم بها وجود العالم فكثرت علينا الأسماء فعدلنا إلى أربابها فدخلنا عليهم في حضراتهم فما وجدنا غير هؤلاء الذين ذكرناهم وأبرزناهم على حسب ما شاهدناهم فكان سبب توجه أرباب الأسماء إلى الاسم الله في إيجاد أعياننا بقية الأسماء فأول من قام لطلب هذا العالم الاسم المدبر والمفصل عن سؤال الاسم الملك فعندما توجه على الشيء الذي عنه وجد المثال في نفس العالم من غير عدم متقدم ولكن تقدم مرتبة لا تقدم وجود كتقدم طلوع الشمس على أول النهار وإن كان أول النهار مقارنا لطلوع الشمس ولكن قد تبين أن العلة في وجود أول النهار طلوع الشمس وقد قارنه في الوجود فهكذا هو هذا الأمر فلما دبر العالم وفصله هذان الاسمان من غير جهل متقدم به أو عدم علم وانتشأت صورة المثال في نفس العالم تعلق اسمه العالم إذ ذاك بذلك المثال كما تعلق بالصورة التي أخذ منها وإن كانت غير مرئية لأنها غير موجودة كما سنذكره في باب مم وجد العالم فأول أسماء العالم هذان الاسمان والاسم المدبر هو الذي حقق وقت الإيجاد المقدر فتعلق به المريد على حد ما أبرزه المدبر ودبره وما عملا شيأ من نشء هذا المثال إلا بمشاركة بقية الأسماء لكن من وراء حجاب هذين الأسمين ولهذا صحت لهما الإمامة والآخرون يشعرون بذلك حتى بدت صورة المثال فرأوا ما فيه من الحقائق المناسبة لهم تجذبهم للتعشق بها فصار كل اسم يتعشق بحقيقته التي في المثال ولكن لا يقدر على التأثير فيها إذ لا تعطي الحضرة التي تجلى فيها هذا المثال فأداهم ذلك التعشق والحب إلى الطلب والسعي والرغبة في إيجاد صورة عين ذلك المثال ليظهر سلطانهم ويصح على الحقيقة وجودهم فلا شيء أعظم هما من عزيز لا يجد عزيزا يقهره حتى بذل تحت قهره فيصح سلطان عزه أو غنى لا يجد من يفتقره إلى غناه وهكذا جميع هذه الأسماء فلجأت إلى أربابها الأئمة السبعة التي ذكرناها ترغب إليها في إيجاد عين هذا المثال الذي شاهدوه في ذات العالم به وهو المعبر عنه بالعالم وربما يقول القائل يا أيها المحقق وكيف ترى الأسماء هذا المثال ولا يراه إلا الاسم البصير خاصة لا غيره وكل اسم على حقيقة ليس الاسم الآخر عليها قلنا له لتعلم وفقك الله أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وإن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده هيهات هيهات غير أن ثم لطيفة لا يشعر بها وذلك أنك تعلم قطعا في حبوب البر وأمثاله أن كل برة فيها من الحقائق ما في أختها كما تعلم أيضا أن هذه الحبة ليست عين هذه الحبة الأخرى وإن كانتا تحويان على حقائق متماثلة فإنهما مثلان فابحث عن هذه الحقيقة التي تجعلك تفرق بين هاتين الحبتين وتقول إن هذه ليست عين هذه وهذا سار في جميع المتماثلات من حيث ما تماثلوا به كذلك الأسماء كل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ثم تعلم على القطع أن هذا الاسم ليس هو هذا الآخر بتلك اللطيفة التي بها فرقت بين حبوب البر وكل متماثل فابحث عن هذا المعنى حتى تعرفه بالذكر لا بالفكر غير أني أريد أن أوقفك على حقيقة ما ذكرها أحد من المتقدمين وربما ما أطلع عليها فربما خصصت بها ولا أدري هل تعطي لغير بعدي أم لا من الحضرة التي أعطيتها فإن استقرأها أو فهمها من كتابي فأنا المعلم له وأما المتقدمون فلم يجدوها وذلك أن كل اسم كما قررنا بجميع حقائق الأسماء ويحتوي عليها مع وجود اللطيفة التي وقع لك التمييز بها بين المثلين وذلك أن الاسم المنعم والاسم المعذب اللذين هما الظاهر والباطن كل اسم من هذين الاسمين يتضمن ما تحويه سدنته من أولهم إلى آخرهم غير أن أرباب الأسماء ومن سواهم من الأسماء على ثلاث مراتب منها ما يلحق بدرجات أرباب الأسماء ومنها ما ينفرد بدرجة فمنها ما ينفرد بدرجة المنعم وبدرجة المعذب فهذه أسماء العالم محصورة والله المستعان . الأسماء في أفقه فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده هيهات هيهات غير أن ثم لطيفة لا يشعر بها وذلك أنك تعلم قطعا في حبوب البر وأمثاله أن كل برة فيها من الحقائق ما في أختها كما تعلم أيضا أن هذه الحبة ليست عين هذه الحبة الأخرى وإن كانتا تحويان على حقائق متماثلة فإنهما مثلان فابحث عن هذه الحقيقة التي تجعلك تفرق بين هاتين الحبتين وتقول إن هذه ليست عين هذه وهذا سار في جميع المتماثلات من حيث ما تماثلوا به كذلك الأسماء كل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ثم تعلم على القطع أن هذا الاسم ليس هو هذا الآخر بتلك اللطيفة التي بها فرقت بين حبوب البر وكل متماثل فابحث عن هذا المعنى حتى تعرفه بالذكر لا بالفكر غير أني أريد أن أوقفك على حقيقة ما ذكرها أحد من المتقدمين وربما ما أطلع عليها فربما خصصت بها ولا أدري هل تعطي لغير بعدي أم لا من الحضرة التي أعطيتها فإن استقرأها أو فهمها من كتابي فأنا المعلم له وأما المتقدمون فلم يجدوها وذلك أن كل اسم كما قررنا بجميع حقائق الأسماء ويحتوي عليها مع وجود اللطيفة التي وقع لك التمييز بها بين المثلين وذلك أن الاسم المنعم والاسم المعذب اللذين هما الظاهر والباطن كل اسم من هذين الاسمين يتضمن ما تحويه سدنته من أولهم إلى آخرهم غير أن أرباب الأسماء ومن سواهم من الأسماء على ثلاث مراتب منها ما يلحق بدرجات أرباب الأسماء ومنها ما ينفرد بدرجة فمنها ما ينفرد بدرجة المنعم وبدرجة المعذب فهذه أسماء العالم محصورة والله المستعان .
فلما لجأت الأسماء كلها إلى هؤلاء الأئمة ولجات الأئمة إلى الاسم الله لجأ الاسم الله إلى الذات من حيث غناها عن الأسماء سائلا في إسعاف ما سألته الأسماء فيه فأنعم المحسان الجواد بذلك وقال قل للأئمة يتعلقون بإبراز العالم على حسب ما تعطيه حقائقهم فخرج إليهم الإسم الله وأخبرهم الخبر فانقلبوا مسرعين فرحين مبتهجين ولم يزالوا كذلك فنظروا إلى الحضرة التي أذكرها في الباب السادس من هذا الكتاب فأوجدوا العالم كما سنذكره فيما يأتي من الأبواب بعد هذا إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
صفحہ 148