عربی فکر حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
اصناف
فاستولت على الأسلحة، وألفت الحرس الوطني بقيادة لافاييت، واتخذت شارة الألوان الثلاثة، وشعار: الحرية والإخاء والمساواة، وفتحت الباستيل.
ومؤرخو الثورة الفرنسية مجمعون على أن سقوط هذه القلعة كان حادثا «رمزيا» من أعظم حوادث الثورة. ولويس السادس عشر لم يدرك تمام الإدراك أنه أمام ثورة إلا لما بلغه أحد الدوقات نبأ سقوط القلعة هاتفا: «إنه لعصيان!» فأجابه لويس: «بل إنها لثورة!» وأيقن أن الجمعية الوطنية قد اكتسحت الموقف، فرأى أن يتحاشى وقتيا صدم إرادته بإرادتها.
وكان تشكيل المجلس البلدي الباريسي في
Hôtel de Ville
والاستيلاء على الأسلحة وتأليف الحرس الوطني والهجوم على الباستيل صيغا وقوالب للعمل سبقت إليها مدينة باريس؛ فلم تلبث أن حذت حذوها فرنسا كلها. ولعل العالم لا يعرف بلادا كفرنسا يكاد يكون تاريخها، الحديث على الأخص، تاريخ عاصمتها: «إن باريس تجر فرنسا وراءها.»
وهنا يذكر المؤرخون كيف لم يلبث الهيجان أن سرى إلى الأقاليم، فكانت فترة الهلع الكبير
La Grande Peur ، وطفق المزارعون وطوائف الفقراء المتشردين يهاجمون قصور الأشراف وأملاك الكنيسة الواسعة، ويحرقون صكوك الامتيازات الإقطاعية، ويقومون بأعمال العنف، فحاول الحرس الوطني وجنود الملك أن يقمعوهم، ولكن بلا جدوى.
وكان معنى هذا أن طبقة من المجتمع ظهرت في ميدان العمل الثوري ظهورا جديا، نقصد بها الطبقة الرابعة
Quatrième Etat . ورأت الجمعية الوطنية أن سقوط الباستيل، وإن يكن قد صفى حساب النظام القديم من الجهة السياسية، فما زالت ثمة مشكلة اجتماعية تتعلق بالنظام القديم لا بد من تصفيتها، فالتأم النواب في الليلة التاريخية المشهورة بليلة 4 آب سنة 1789 فألغوا الامتيازات والحقوق الإقطاعية. وكثيرون من الأشراف والإكليروس أعلنوا تنازلهم عن حقوقهم وامتيازاتهم، إما بجارف الحماسة ودافع الاقتناع وإما بعامل الخوف.
ومن ثم انصرف نواب الجمعية الوطنية، في شهر آب، إلى إخراج بيان مبدئي يبررون فيه الانقلاب الذي أحدثوه في الحياة الفرنسية. وهكذا أخرجوا للناس نشرة «حقوق الإنسان» الشهيرة (وقد أثبتناها في صدر من هذا الكتاب). ومن يقرأها يشعر بما كان للثورة الإنكليزية والأميركية، ولمفكري القرن الثامن عشر، من أثر قوي فيها. ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية: السيادة للأمة، تساوي الناس في الحقوق والواجبات العامة، حق الناس في الحرية الفردية والطباعية والكلامية، حق الناس في الأمن على أملاكهم، حق الناس في اختيار العقيدة الدينية واتباعها ...
نامعلوم صفحہ