فخامر فؤادها فرح لا يوصف، وقالت بصوت خافت: أحقا أنك تعذبت كثيرا؟ فقبض على ساعدها بعنف وقال: هل تظنين أنني تمكنت بسهولة من انتزاع هواك الواشجة عروقه في قلبي منذ ثمانية عشر عاما؟
وكانت هذه الكلمات في أذن لورانس كرنات المثالث والمثاني، وخيل لها أنها ترى الماضي ينشط إلى الظهور في مظهر جديد من الهوى، ولذ لها أن تشهد عذاب زوجها في هواها، فغمغمت تقول: أحقا أنك بكيت كثيرا؟ فتقهقر عنها، وأبرز لها وجهه حتى تتفرس فيه على نور النافذة، وقال لها بخشونة: انظري إلي، انظري إلى وجهي الشاحب، وعيني الخامدتين، وشعري الأشيب، ولا تسأليني عما إذا كنت قد تعذبت، فما ترينه من أمارات الأسى كان من عمل يوم واحد، بل من عمل ساعات، إنك صيرتني شيخا في ساعات معدودة! لا جرم أن حبي إياك كان عظيما حتى لقيت ذلك العذاب.
قالت: والآن؟ فصاح: والآن قد حلت البغضاء محل ذلك الحب الأعمى، أجل، أنا أبغضك بكل قوى شرفي المفقود وتذكراتي وآمالي الضائعة، فافهمي ما أقول، إنني أبغضك.
فتهلل وجهها وصاحت: أنت تبغضني! أنت تبغضني! أعد على سمعي هذا الكلام، فإنه يرن في فؤادي ويطربني أكثر من بث الهوى، ويلذ لي سماعه في كل ساعة. لقد كنت أحسبك غير مكترث فكدت أهلك شجنا، أما الآن ففي طاقتي أن أحيا؛ لأن سخطك ووعيدك أنعشا قواي، وأعادا إلي بسالتي، فلو لم تكن تهواني لما أبغضتني.
فكاد يقع في مكانه ولم يقو على الاحتجاج، وقال: هل تبلغ به النذالة هذا الحد؟
فتمشت إليه وقالت: نعم، فإنك لا تزال مقيما على حبي! ... بيني وبينك ذلك الهوى الذي تروم أن تقضي عليه وهو لا يزداد إلا تمكنا ورسوخا، فافعل الآن ما تشاء، فكل ما يحل بي منك عذب لذيذ، حتى غضبك وجفاؤك وخشونتك.
قال لها: بحق السماء، اسكتي.
فرفعت رأسها وقالت: افعل ما شئت، وأنكر هواي، إلا أنك أسيري، وكل شيء فيك يحتج عليك. افعل ما شئت فلا أبالي، خذ ابنتك وحرمها لقائي، وأبقها لنفسك وحدك، فإنك تنظر إلي حين يقع بصرك عليها ... وإنك تشعر بقبلاتي حين تقبلك، وتلثمني حين تعكف على لثمها.
فحاول الانصراف متوكئا على المقاعد والجدران وهو يقول لها: بربك اسكتي. قالت: نعم أسكت بشرط واحد، تجرأ وقل إنك لا تحبني.
فحاول الكذب وقال: لا أحب ... لكنه لم يتم جملته بل أقر بالانخذال. جثا أمامها وقال لها: بل لا بد من الإقرار برغمي ورغم خيانتك وخجلي وثورة شرفي، أن ما أفعله نذالة، ولكنك أنت التي دفعتني إليها، وما دمت تكرهينني على ذلك الإقرار فاسمعي الكلمات التي انتزعتها من فؤادي بعدما سحقته سحقا: برغمي، نعم، أنا لا أزال أهواك.
نامعلوم صفحہ