408

فی ادب حدیث

في الأدب الحديث

اصناف

ولا أدل على أنهم لم يقصدوا بهذه الإصلاحات نهضة مصر، أو رقى أهلها، من سياساتهم التعليمية بهذه البلاد، فقد نهجوا فيها نهجا استعماريا بغيضا، ورجعوا بتقدمها العلمي الذي أحرزته على يد محمد على وخلفائه، ورجال البعثات # المصريين سنين طويلة إلى الخلف، ولقد شهد بذلك أكثر من مؤرخ إنجليزي منصف، أو ناقد متبرم من إخفاق الإنجليز في نشر نفوذهم الأدبي والثقافي بمصر1.

رأى كرومر بعد أن خطا في إصلاحاته المالية والاجتماعية والداخلية خطوات واسعة، أن عليه واجبا نحو نشر الثقافة الإنجليزية بمصر، وقد راعه ذلك البنيان الضخم من الثقافة الفرنسية، الذي شيدته همم الإرسالات، وعززته الحكومة الفرنسية, ورجال الاقتصاد والأعمال الفرنسيون، هالته كثرة المدارس الفرنسية في مصر، وحماسة هؤلاء الذين تعلموا بها -أو في فرنسا ذاتها- لنشر الثقافة الفرنسية، ورأى أن الفرنسيين قد بذلوا غاية جهدهم لمساعدة هؤلاء الذين يتخرجون في مدارسهم، فاشترطوا على الإنجليز أن يظل لهم النفوذ الأول ببعض المصالح الحكومية كما كان شأنهم قبل الاحتلال البريطاني، فاستأثروا بمصلحة الآثار المصرية -وظلت إلى أن جاءت الثورة في أيديهم- ونظارة مدرسة الحقوق، واستولوا بأموالهم وقروضهم وشركاتهم ومؤسساتهم التجارية على أكثر من نصف المصالح الاقتصادية والأموال المنقولة بمصر، ووجد الشبان المصريون والأجانب الذين يتخرجون في مدارسهم متسعا للعمل بهذه الشركات والمؤسسات، وصارت اللغة الفرنسية لغة التعامل والتداول والتجارة بين الأجانب بمصر، وبينهم وبين المصريين. حتى اضطرت المحاكم المختلطة أن تصدر تسعة أعشار أحكامها باللغة الفرنسية، فضلا عن الموظفين العديدين الذين وجب عليهم إتقان اللغة تلبية لجمهرة المتقاضين أمام المحاكم المختلطة.

صفحہ 19