أين ليالينا بوادي الغضا ... ذاك عهد ليته ما انقضى1
كنت به من عيشتي راضيا ... حتى إذا ولى عدمت الرضا
أيام لهو وصبا كلما ... ذكرتها ضاق علي الفضا
2- وقد وقف على الأطلال والدمن، وأتى بشعر جاهلي الروح والمعنى، والوجه والزي، ولا يمت إلى عصره وعصر الحضارة بصلة، وهو لم يقله لأنه مقتنع بأن ذلك هو الأسلوب الواجب اتباعه، والنهج الذي عليه أن يسلكه، ولكنه يريد أن يمتحن شاعريته، وهل في استطاعته أن يحاكي القدماء حتى وقوفهم على الأطلال والدمن؟ وليس أمامه أطلال ودمن تهيج شاعريته، وتثير عبرته, فإذا استطاع أن يقول مثلما قالوا فهو شاعر فحل، ولا شك أن هذا النوع من الشعر خال من العاطفة, وفيه كثير من الصنعة والتكلف، استمع إليه يقول:
ألا حي من أسماء رسم المنازل ... وإن هي لم ترجع بيانا لسائل
خلاء تعفتها الروامس والتقت ... عليها أهاضيب الغيوب الحوافل
فلأيا عرفت الدار بعد ترسم ... أراني بها ما كان بالأمس شاغلي
غدت وهي مرعى للظباء وطالما ... غنت وهي مأوى للحسان العقائل
إلى أن يقول:
فيا ليت أن العهد باق وأننا ... دوارج في غفل من العيش خامل
تمر بنا رعيان كل قبيلة ... فما يمنحونا غير نظرة غافل
صيغرين لم يذهب بنا الظن مذهبا ... بعيدا ولم يسمع لنا بطوائل
نسير إذا ما القوم ساروا غدية ... إلى كل بهم راتعات وجامل3
فأي أطلال، وأي رسوم رآها البارودي فوقف عندها؟ وأين رأي الظباء وهو يعيش في أحضان القاهرة المتمدينة؟ وأين مرت بهما رعيان القبائل؟
صفحہ 191