فیصل اول: سفرنامہ اور تاریخ
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
اصناف
معان وعمان
عندما كانت المفاوضات جارية بين الإنكليز والشريف أو بعدها، بعثت الحكومة الفرنسية وفدا من مسلمي الجزائر إلى الحجاز، يحمل إلى أميره تلك الهدية المشهورة؛ تلك الساعة التي رمزت إلى هدية مثلها من خليفة العرب إلى ملك الفرنجة في سالف الزمان. ثم أرسلت بعض المواد والمعدات الحربية، وبعض الضباط إلى جدة ليشارفوا تنظيم الجيش الحجازي، ويظهر أن ثلاثة منهم رافقوا بعدئذ جيش الشمال إلى دمشق.
غني عن البيان أن فرنسا في تلك الأيام كانت تحتاج في بلادها إلى كل جندي تستطيع تجنيده، ولم تكن مشاركتها في الحملة على الأتراك في فلسطين إلا اسمية في البداءة. فشاءت أن تتجاوز هذه الحال ليحق لها كلمة سياسية بعدئذ فيما يختص بمصير البلاد، فأرسلت ثلاثة طوابير من جنود الجزائر وتونس والمستعمرات لتشترك في الدفاع عن ترعة السويس وفي الهجوم على فلسطين، وكانت قد باشرت في أوائل عام 1917 إنشاء الفرقة الشرقية من متطوعي الأرمن والسوريين، فنقلت إلى ساحة القتال بعد فتح القدس من كانوا منهم يتمرنون في قبرص وبورسعيد.
بيد أن هذه العساكر التونسية والجزائرية والسورية، التي رافقت الجيش البريطاني، لم تشارك العرب في شرق الأردن بشيء يذكر. أما الضباط البريطانيون والفرنسيون فليس من ينكر أن بعضهم رافقوا الجيش النظامي وساعدوه في تنظيم العربان وتحريضهم على القتال.
كان عدد من انضم من البدو إلى الجيش العربي يناهز المائة ألف، أما العسكر النظامي فلم يتجاوز الخمسة آلاف، وكان ضباطه كثيرين، ولا غرو بالنسبة إلى عدده، غير أنهم لم يبلغوا عشر ما ادعاه ساسة الفرنسيين المتحاملون على العرب، المشنعون بهم في الصحافة وفي مجلس الأمة.
أعود إلى الحوادث؛ بعد شهر من سقوط الكرك في حوزة الأمير، أي في 8 أيار، ضرب العرب محطة القطرانة وأسروا عددا من الترك، ثم بعد أسبوع هجموا على الحسا، فأخذوا قطارا كان هناك ودمروا قسما من العدة والذخيرة، ولكن العدو أخرجهم بعدئذ من الحسا، فتقهقروا جنوبا وهم يخربون في الجسور والخط.
وكانت قوات الترك تزداد بعد هجوم الإنكليز على السلط وعمان، فالقيادة العامة في الناصرة، عندما وصلت إليها تلك الأخبار - وصلت متأخرة لأن العرب كانوا عاملين بتقطيع أسلاك البرق والتلفون - أصدرت الأوامر بإنجاد الحامية في عمان وبنقل الجنود من الشام وحلب إلى درعا ووادي اليرموك. يصح أن يقال إن أشد أيام القتال على العرب كانت في صيف هذه السنة 1918، وقد ظهرت نتيجة النجدات في تقهقر الإنكليز من عمان والسلط إلى غربي نهر الشريعة بعد واقعة الأردن الثانية.
على أن هذه الهزيمة لم تثبط من عزم العرب، بل حملتهم على استئناف الهجوم والقتال، وكانوا في شهري أيار وحزيران يزدادون قوة بما جاءهم من العساكر النظامية الجديدة من عراقيين وسوريين وفلسطينيين، حتى إنه بينما كان شبه هدنة في ساحات الحرب غربي الأردن في شهر حزيران، كان العرب بقيادة الأمير فيصل وقواده يواصلون الهجوم والقتال، ولكنهم ردوا عن معان خاسرين مرارا، وخصوصا في 22 تموز عندما هجموا على محطة قربها، فكانت خسائرهم عشرين ضابطا ومائتين من الجنود. كان نوري السعيد في تلك الناحية عين الحركة ويدها، فحمل في أواخر آب بألفين من الجنود النظاميين وخمسمائة من البدو وعشرة مدافع حملة على معان أسقطتها بعد قتال عنيف في حوزة العرب.
وصلت هذه الأخبار إلى الشام، فاستيقظت فيها الروح العربية الراقدة ، وطفق الناس يتهامسون مستبشرين بالنصر القريب، بل حام بعض العرب حول المدينة وفيها، مبشرين بفيصل، رافعين علم الحجاز الرباعي الألوان، وشرعت تتحرك وراء الستر وتحت الحجب تلك السياسة التي كادت تقضي عليها مظالم جمال وفظائعه، فاتصل بالأستانة خبرها، فسارع أولياء الأمر هناك إلى إصلاح الأمر. أرسلوا يعرضون على القائد الألماني الجنرال فن سندرس الحكم في سوريا؛ علهم يقاومون بذلك تلك الروح النافرة منهم ويسترضونها، ولكنهم تأخروا فيما اهتدوا إليه من الحكمة الموهومة، وغدا الجنرال في ذاك الحين أشد اهتماما بالهرب منه بالحكم.
صدرت الأوامر بالهجوم العام في 19 أيلول، فتحرك الجنود البريطانيون في خط طوله ثمانون كيلومترا، يمتد من الساحل حتى نهر الشريعة، ولم يقفوا إلا بعد أن أخرجوا الألمان والأتراك من فلسطين والجليل، وجاء العرب من شرقي الأردن يسوقون أمامهم ما تبقى من الجيش الرابع حتى قربوا من درعا، وكانت مفرزة النصر بقيادة جودت بك البغدادي
نامعلوم صفحہ