فیصل اول: سفرنامہ اور تاریخ
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
اصناف
جاءوا - كما تقدم - من مصر، يقود قسما منهم الأمير لواء السيد علي باشا، فانضموا إلى جيش الأمير فيصل الذي شرع يزحف شمالا في شتاء تلك السنة حتى وصل إلى حدود بادية التيه. وكان الأمير علي مشتغلا في ضرب مراكز الأتراك العديدة على جانبي سكة الحديد، فحمى بذلك مؤخر جيش أخيه الذي استولى في زحفه على خط مسافته ستون ميلا يمتد من البحر إلى معان. أما إكليل انتصارات العرب في هذه السنة، فهو سقوط العقبة ودخول الأمير فيصل إليها في 6 تموز، ولم يكن ذلك ليذكر لولا تأثيره الحسن في حركة الجنود البريطانيين في هجومهم على غزة وبير السبع.
كان الجنرال آلنبي قد استلم آنئذ قيادة الجيش، فاعترف بفضل العرب في ردهم سريات الأتراك التي كانت تجيء من معان إلى بادية سينا، فتضرب الإنكليز في مؤخرهم. ولو لم يكن للعرب غير هذا الفضل - أي تأمين مؤخر جيش الجنرال آلنبي - لكفى به فضلا؛ فلولا تقدم فيصل إلى حدود سينا لما ضرب آلنبي غزة وبير السبع، ولولا سقوط العقبة لما سقطت تلك البلدة على البحر التي دافع عنها الترك والألمان دفاعا يستحق الذكر والإعجاب، ولما أعاد الإنكليز الكرة على بغداد لولا ثقتهم بالنهضة العربية ورجالها وجنودها.
جاء في نشرة من نشرات الوزارة الحربية في آب 1917: إن خطة العرب في بداءة نهضتهم لخطة وجيهة فيها حذق وحزم ودهاء؛ فقد خربوا أقساما من سكة حديد الحجاز، واستولوا على مراكز الأتراك إلى جانبي السكة، وكانوا في أعمالهم على جانب عظيم من الجرأة والبسالة، فيتغلبون غالبا على جيش أكثر منهم عددا وأوفر منهم عدة.
وجاء في كتاب الكونت دي غنطو بيرون: «لا قيمة حربية لجموع العرب، فهم يظهرون ويختفون كيفما يشاءون وساعة يشاءون، ولا يستطيعون رد الصدمات الشديدة، بل يتفرقون ويهربون أول مرة تطلق عليهم النار.»
وجاء في الأعمال وهي أصدق الشهود: عندما سقطت غزة في منتصف تشرين الثاني، كانت قد وصلت سريات الأمير فيصل إلى ما بين عمان ودرعا، فهدموا جسرا هناك، وغلبوا الأتراك في واقعة صغيرة قتل فيها خمسة من العرب ومائة وعشرون من الترك، ونسفوا القطار الذي كان مقلا جمال باشا وهو عائد من القدس إلى الشام، وقد كتبت له السلامة.
4
في الشهر الأول من سنة 1918 استأنف الأمير القتال والهجوم، فاتصل جيشه بطرف من جيش الجنرال آلنبي في ناحية البحر الميت قرب رجم البحر، وتجددت الهجمات على معان التي كانت لا تزال في حوزة الأتراك، ثم أمعن العرب في الغزوات شرقا، فوصلوا إلى ناحية الجوف؛ حيث كان الترك يحاولون مفاوضة ابن الرشيد في حايل ليغروه بالشريف. استولى العرب على تيماء، وقطع العرب الخط على العدو، فاستحال عليه بعدئذ إرسال النجدات من معان إلى المدنية. نسف العرب قطارا قرب تبوك مشحونا بالجنود، فقتلوا كل من فيه، وغنموا كل ما فيه مع أربعة وعشرين ألف ليرة.
قد كانت خطة الأمير فيصل في بداءة هذه السنة تنحصر ظاهرا في الاستيلاء على معان، ولكنه أراد في إشغال الترك هناك أن يستولي على بقعة مهمة في شرق الأردن؛ هي الكرك. فأرسل شراذم من جنوده على معان يداومون الهجوم والمفاجآت، وساعده الجنرال آلنبي بما ساق من الطائرات على البلد. قد غنم العرب في هجماتهم مدفعين جبليين، وثمانية عشر مدفعا رشاشا، وثمانمائة بندقية، ومائتي رأس من الخيل، واستولوا على جوف الدرويش؛ فأحاطوا بالعدو ومنعوه من إرسال نجدات إلى المرابطين من الأتراك في الكرك.
كذلك تقدم الأمير - وهو أمين من الغدر - إلى محجته، فقسم جنده قسمين؛ قسما مشى من العقبة فاجتاز خط الحديد شمالا ورد العدو إلى مركز يبعد خمسة أميال من معان، وقسما مشى من وادي موسى فأخرج العدو من مراكزه في الطريق حتى الطفيلة، التي هي على مسافة ثمانية عشر ميلا من البحر الميت. فلما سلمت حامية الطفيلة، اضطرب الأتراك في الكرك وخرجوا بأحد عشر طابورا وبعض الخيالة والمدافع يستعيدونها، فالتقى الفريقان في 26 كانون الثاني على شاطئ سيل الحسا، وهي على مسافة أحد عشر ميلا شمال الطفيلة، فانهزم الأتراك، وكانت خسائرهم أربعمائة من القتلى وثلاثمائة أسير.
لم يقف الأمير فيصل عند هذا الفوز، بل استمر زاحفا حتى وصل بعد يومين إلى البحر الميت، فضرب جيشه مركزا للترك هناك، فأغرق مركبا حربيا صغيرا وعدة سنابك، وغنم كثيرا من الحبوب، وأسر عددا من الجنود. ثم أعاد الأمير تنظيم جنوده، بعد أن ثبت قدمه على شاطئ البحر شرقا، ليواصل الزحف على الكرك. وكان الجنرال آلنبي قد استولى على أريحا وعبر بجنوده الأردن فتقدم نحو عمان. لا شك أن الهجوم البريطاني شرقي الأردن كان عونا للأمير فيما سعى إليه، وكان من حظه أيضا أن الطائرات التي جاءت تساعد الجنرال في زحفه إلى عمان ساعدت كذلك العرب في زحفهم على الكرك التي استولوا عليها في 7 نيسان، فقطعوا عن الأتراك في معان مورد تموين مهم.
نامعلوم صفحہ