والملك يقبل شفاعتهم تارة لحاجته إليهم، وتارة لجزاء إحسانهم، ومكافأتهم حتى أنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك، فإنه محتاج إلى الزوجة والولد حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة مملوكه فإنه إذا لم يقبل شفاعته يخاف أن لا يطيعه (^١)، ويقبل شفاعة أخيه مخافة أن يسعى في ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلاّ لرغبة أو لرهبة (^٢). والله تعالى لا يرجو أحدًا، ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني سبحانه عما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، والمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة عند المخلوق، قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ -إلى قوله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس- ١٨]، وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء- ٥٦ - ٥٧] فأخبر سبحانه أن ما يدعى من دونه لا يملك كشف الضر ولا تحويله، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، ويتقربون إليه. فقد نفى سبحانه ما أثبتوه من توسط الملائكة والأنبياء. وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته (^٣)، وأما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف- ١٧].
_________
(^١) في "ب" "الآن لا يعطيه" وهو خطأ ظاهر.
(^٢) في "ب" "للرغبة أو لرهبة".
(^٣) في "أ" "لمن هداه الله".
1 / 57