فالرب ﵎ هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك ولهذا أثبتها سبحانه بإذنه في مواضع من كتابه، وبين النبي ﷺ انها لا تكون إلاّ لأهل التوحيد كما تقدم في حديث أبي هريرة وعوف بن مالك.
فمتخذ الشفيع مشرك، لا تنفعه شفاعة، ولا يشفع فيه، ومتخذ الرب وحده إلهة ومعبوده هو الذي يأذن سبحانه للشفيع أن يشفع فيه. قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ الآية [الزمر- ٤٣ - ٤٤]، وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس- ١٨] فبين أن المتخذين شفعاء مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم، وإنما تحصل بإذنه ﷾ للشافع، ورضاه عن المشفوع له كما تقدم بيانه.
والمقصود أن الكتاب والسنة دلاَّ على أن من جعل الملائكة، أو الأنبياء، أو ابن عباس أو أبا طالب، أو المحجوب "وغيرهم من الأنبياء والصالحين" (^١) وسائط بينه وبين الله ليشفعوا له عند الله، لأجل قربهم من الله، كما يفعل عند الملوك أنه كافر مشرك، حلال المال والدم، وإن قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد (^٢) أن محمدًا رسول الله، وصلى، وصام، وزعم أنه مسلم، بل هو من الأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
_________
(^١) ما بين القوسين من "ب".
(^٢) وأشهد: سقطت من "ب".
1 / 52